في اعتقاد غالبية الخبراء، يفضّل بنيامين نتنياهو أن يكون دونالد ترامب هو الرئيس الأميركي المقبل. لكن ثمة جوانب من شخصية ترامب قد لا تطمئن الإسرائيليين، فيما تطمئنهم جوانب من شخصية كامالا هاريس. ولذلك، على الأرجح، سيختارون «اللعب على الحبلين» بين الجمهوريين والديموقراطيين.
قبل أيام، توجّه الرئيس جو بايدن إلى نتنياهو بالقول: «إنّ الدعم الذي قدّمتُه إلى إسرائيل خلال فترة ولايتي الرئاسية يتجاوز بحجمه أي دعم حصلتم عليه في عهد أي رئيس أميركي سابق. وأنا أريد منك أن تتذكر ذلك دائماً». وفي الواقع، يعرف نتنياهو أنّ حجم الدلال الذي حصل عليه في واشنطن، خلال عهد الرئيس الديموقراطي الحالي، فاق ما كان يتوقعه هو شخصياً.
في بداية عهد نتنياهو، كان هناك تجاذب خفي بين الرجلين، حتى قيل إنّ كلاً منهما يعمل ما في وسعه لإزاحة الآخر من موقعه. ومن المعروف أنّ إدارة بايدن أيّدت في شكل صريح خصوم نتنياهو السياسيين في إسرائيل، سعياً منها إلى إحراجه لإخراجه من السلطة. لكن نتنياهو صمد في مواجهة الضغوط الداخلية والخارجية «بفضل» الحرب التي يخوضها منذ 13 شهراً، في غزة والضفة الغربية ولبنان، إذ ليس منطقياً تبديل الحكومة في دولة ما، عندما تكون منخرطة في حرب مصيرية.
وعلى أرض الواقع، وعلى رغم من انتقاداتها المتكرّرة لحكومة نتنياهو، خصوصاً لجهة انتهاكاتها الواسعة بحق المدنيين، فإنّ إدارة بايدن بقيت دائماً سخية جداً في مساعدتها العسكرية لإسرائيل. وبدا نتنياهو مطمئناً إلى أنّ واشنطن ستقف معه وترسل الأساطيل لتحمي إسرائيل، وتزودها ما تحتاج إليه من أسلحة وذخائر ومنظومات دفاعية، سواء كانت مقتنعة بالحرب التي يشنّها نتنياهو أو معترضة عليها.
وتبين أنّ «الكيمياء المفقودة» مع نتنياهو لا تؤثر على مدى «ولاء» بايدن لإسرائيل. وهو المعروف بكونه إحدى الشخصيات الأميركية الأكثر قرباً من المزاج الصهيوني في الولايات المتحدة. ويقول العارفون إنّ تعاطف بايدن «الزائد» مع إسرائيل قد يكون من سمات نهجه شخصياً لا من سمات الحزب الديموقراطي. فهاريس، إذا فازت بالرئاسة، قد لا تكون بحماسة بايدن لدعم إسرائيل والحفاظ على أمنها وتفوقها الإقليمي. وهذا ما حاولت هاريس قوله للناخبين العرب والمسلمين خلال حملاتها الانتخابية الأخيرة، مبدية عتبها عليهم بسبب جنوح غالبيتهم إلى التصويت لمصلحة ترامب. وفي الواقع، استطاع ترامب اجتذاب هؤلاء عندما وعدهم بإنهاء الحرب وتحقيق الانفراجات في غزة والضفة ولبنان. لكنه استخدم عاملاً آخر غير متوقع. فقد لعب ورقة التقاطع بين اليمين المسيحي الأميركي واليمين الإسلامي والعربي حول مسائل اجتماعية وأخلاقية، كالإجهاض والمثلية وسوى ذلك، وهي مسائل تسترعي الاهتمام الكبير لدى المسلمين والعرب أيضاً.بعض المحللين يقول إنّ نتنياهو يدرك أنّه سيواجه مشكلة مع الإدارة الأميركية المقبلة، أياً كانت. فمع ترامب، سيضطر إلى التعاطي مع شخصية تجرؤ على اتخاذ القرارات الكبيرة المفاجئة التي تخدم إسرائيل، كنقل سفارة بلاده إلى القدس وضمّ الجولان وتحقيق الانفتاحات الإبراهيمية، ولكن عليه التحسب أيضاً للصدمات التي قد يفاجئه بها في أي لحظة. فالعلاقة الشخصية بين الرجلين مرّت بفترات توتر، خصوصاً عندما سارع نتنياهو إلى إعلان مباركته لبايدن بعد فوزه في انتخابات 2020. فقد ردّ عليه ترامب حينذاك وعاتبه، واصفاً إياه بأنّه عديم الوفاء وناكر للجميل.
في الموازاة، لن يكون ترامب مضطراً في ولايته المقبلة، إذا فاز بالرئاسة، إلى مسايرة قوى الضغط، بما فيها اللوبي المتعاطف مع إسرائيل، لأنّ لا طموحات انتخابية أخرى ستكون لديه. فهو سيكون في ولايته الثانية، ولا حق له في الترشح لولاية ثالثة.
وفي المقابل، هاريس الآتية حديثاً إلى الحكم، في حال فوزها، قد تكون مضطرة إلى استرضاء كثيرين، بما في ذلك اللوبي الداعم لإسرائيل. ولكن، ما لا يريح نتنياهو حصراً ليس تمثيلها للحزب الديموقراطي، بل كونها من الرعيل البعيد نسبياً عن المزاج الصهيوني.
على الأرجح، أعدّ نتنياهو ورفاقه في الحكومة خطة متكاملة تراعي كل الاحتمالات في الانتخابات الأميركية، وهي تحتسب لطريقة التعاطي مع أي رئيس أميركي جديد، سواء كان ترامب أو هاريس. ولكن، أياً يكن الفائز، سيستفيد نتنياهو من الفترة الطويلة جداً المتبقية حتى تسلّم الرئيس الجديد ولايته في 20 كانون الثاني 2025. فحتى ذلك الحين، هناك 75 يوماً ثمينة جداً سيستغلها نتنياهو ورفاقه لتغيير الوقائع جذرياً في غزة والضفة الغربية ولبنان، ولفرض معطيات جديدة تصبح أمراً واقعاً يصعب على أي رئيس أميركي جديد أن يتجاوزها. وهذا يعني منسوباً عالياً جداً من العنف، ومغامرات بعضها ربما لن يكون محسوباً.