تلاحقت المواقف في الأيام القليلة الماضية الدّاعية الى تطبيق القرار 1701 بإجماع داخلي تعهّد به النداء الثلاثي من عين التينة قبل أسبوعين ومعه المجتمع الدولي. وهو ما فتح النقاش حول الربط الملزم بين هذا القرار وما سبقه من قرارات، ولا سيّما منها القرار 1559 الذي يحظّر أي سلاح غير شرعي ليس في منطقة «اليونيفيل» إنّما في كل لبنان. وعليه، ما الذي يقوله الخبراء الدستوريون في شأن الفصل بينهما؟
أثبتت الحركة الديبلوماسية بمختلف مستوياتها الداخلية والاقليمية والدولية بأنّ المخرج الوحيد للتوصّل الى وقف لإطلاق النار على الجبهة الجنوبية وإنهاء العمليات العسكرية بات محصوراً باستكمال تنفيذ القرار 1701 توصّلاً الى وقف نهائي لاطلاق النار بعد فترة اقتصرت فيها الجهود المبذولة على تجميد العمليات العسكرية على جانبي الحدود بين لبنان والأراضي الفلسطينية المحتلّة. وكل ذلك يجري بمعزل عمّا يمكن أن تقود إليه المناقشات الجارية، ومعها الاقتراحات المتعدّدة في شأن تعديله أو إضافة أي بنود جديدة ضامنة للمرحلة المقبلة، ووقف العمليات العسكرية القائمة منذ 18 يوماً احتُسبت منذ اغتيال الأمين العام لـ «حزب الله» السيّد حسن نصرالله وما رافقها من اعتداءات غير مسبوقة لم تعرفها المنطقة منذ تاريخ صدور ذلك القرار العام 2006. وهي وقائع فرضت البحث عن ترتيبات جديدة على رغم من المناوشات التي رافقت الإعلان عن حرب «الإلهاء والإسناد» من جانب «حزب الله» منذ اطلاقها في 8 تشرين الأول العام الماضي، بعد ساعات قليلة على إعلان عملية «طوفان الأقصى» التي أطلقتها حركة «حماس» والرّد الاسرائيلي عليها بعملية «السيوف الحديديّة»، قبل إطلاق تل أبيب عملية «سهام الشمال» في الأول من الشهر الجاري.
ولم يكن مستغرباً بالنسبة إلى المراجع العسكرية والسياسية والديبلوماسية التعمّق في البحث عمّا قال به القرار 1701، وما يمكن أن تُجرى عليه من تعديلات تستدعيها التطورات الأخيرة قياساً على حجم خطورتها، وما يمكن أن تنتهي إليه هذه الحرب من واقع جديد لم يكن قائماً منذ العمل بموجب هذا القرار الصادر قبل 18 عاماً، وقد عبرت طوال هذه الفترة من دون أن تنفّذ أي خطوة في اتجاه استكمال تنفيذ ما قال به، توصّلاً الى إتفاق لوقف إطلاق النار. ولمّا سقطت مجموعة من الاقتراحات والترتيبات التي عرضتها أكثر من جهة دولية ومحلّية منذ أشهر عدة، ولا سيّما منها تلك التي حملتها أوراق بريطانية تحدّثت عن أبراج مراقبة على الحدود وتلك الفرنسية التي حاولت الفصل بين حربي غزة ولبنان، عاد الاهتمام الى البحث ببنود القرار.
عند هذه المحطة ـ قالت المراجع عينها ـ برز الخلاف على الساحة اللبنانية مجدداً في شكل واضح حول مصير القرارات ذات الصلة ومنها القراران 1559 والـ 1680، فتعدّدت المواقف منهما بين قائل بأنّه لا حاجة للعودة إليهما. وهو ما توقّفت أمامه مراجع قانونية ودستورية، فلفتت إلى الفوارق بين القرارين والتي دفعت الى إعطاء الاولوية للقرار الأوّل الذي اجرى مقاربة للسلاح غير الشرعي في لبنان، فيما تناول الثاني الصادر في 2 ايلول 2004 باقتراح مشترك أميركي ـ فرنسي ـ بريطاني تناول ببنوده الـ7 مصير السلاح الفلسطيني بموافقة 13 عضواً من أعضاء مجلس الامن الدولي وإمتناع الصين وروسيا عن التصويت عليه.
وبناءً على ما تقدّم، انحصر الخلاف اليوم حول امكانيّة العودة الى القرار 1559 من عدمه، وهو أمر أُثيرت حوله شكوك كثيرة في الشكل والتوقيت والمضمون. فلا يمكن تسجيل أي موقف يقول بانتفاء وجود هذا القرار في توقيت يتزامن مع اجتماع مجلس الأمن الدولي أمس الاثنين لمناقشة الإحاطة نصف السّنوية المنتظمة حول تنفيذ هذا القرار، كما في مطلع تشرين الاول من كل عام. وهو التقرير الذي اعدّته وكيلة الأمين العام للشؤون السياسية وبناء السلام روزماري ديكارلو، بالإضافة الى الإحاطة الطارئة التي أضيفت في عطلة نهاية الأسبوع وتناولت الاعتداءات التي طاولت القوة الدولية العاملة في الجنوب وما تعرّضت له مراكزها الحدودّية من تهديدات اسرائيلية مباشرة، مسّت مباشرة بأمن جنودها في مقرّها العام، حيث أصيب عدد من جنود الوحدة السيرلانكية، كما في بعض النقاط على طول الحدود التي تحاول القوات الاسرائيلية التسلّل منها في اتجاه الاراضي اللبنانية، بطريقة عرّضتهم للخطر على محور مستوطنة زرعيت مقابل معبر رامية اللبناني، حيث تنتشر القوات الغانية.
على هذه الخلفيات، رفضت المراجع الديبلوماسية والقانونية القول إنّ التطوّرات تجاوزت القرار 1559. ولفتت إلى أنّ تطبيق القرارات الدولية لا تقف عند مضمون القرار بعينه، وأنّ من الواجب الأخذ في الاعتبار كل الحيثيات المشار إليها في كل قرار ومعها القرارات ذات الصلة، وخصوصاً إن كانت تشكّل أساساً لأي قرار في إطار مسلسل يعنى بالقضية التي يتناولها وما نشأ عنها من أزمات أحيلت الى مجلس الأمن للنظر فيها وسبل معالجتها. وفي مثل هذه الحالة، لا يمكن التنكّر إلى أنّ القرار 1701 يستند في أسبابه الموجبة والممّهدة له الى مجموعة من القرارات السابقة تعود في أساسها الى عقود تمتد من القرار 425 الصادر عام 1978 مررواً بما تلاه من قرارات ومنها القرار 426 و520، والـ1559 و1655 و1680 و1697 وبما فيها من ملحقات تنفيذية مرتبطة بكل قرار من هذه القرارات.
عند هذه المعطيات تضيف المراجع، أنّ الجدال الداخلي ومهما طال فإنّه لن يغيّر شيئاً في التوجّهات الدولية، وخصوصاً في هذه المرحلة التي وضعت اسرائيل ما استجدّ من حديث عن مصير القوّات الدولية في جنوب لبنان بعينها. الأمر الذي سيفرض تركيزاً على مضمون هذه القرارات جميعها، فلا يتمّ اختيار أي منها دون غيرها، طالما أنّها في سلّة واحدة. وإن كان لبنان متمسكاً بها عليه أن يكون الى جانب الجهود المبذولة لتطبيقها بهدف تعطيل الخطوات الاسرائيلية الهادفة الى الطعن بها وبدورها. ولذلك لن تقف الامور عند بلوغها مرحلة الجدّ عند حرّية الانتقاء لأي من هذه القرارات دون غيرها. وهو أمر قد لا يطول إن توصّلت المساعي الحميدة إلى البحث الجدّي في قرار لوقف النار في الجنوب بمعزل عمّا يجري في غزة، والفصل النهائي بين ما يجري هناك وعلى الحدود الجنوبية. وهو أمر يفرض على لبنان إبراز جدّيته هذه المرّة في تنفيذ ما تعهّد والتزم به. وهو لا يقتصر هذه المرّة بالقرار 1701 لوحده، لا بل عليه أن يجاري الموقف الدولي متى رُبط بالقرارات السابقة بعيداً عمّا يقال لإرضاء جمهور الساحة الداخلية. فما هو مطروح دولياً سيتقدّم، وسيكون لبنان ملزماً بما يتقرّر أياً كانت الرغبات والأمنيات العابرة.