أي صواريخ فرط صوتية “Super Sonic”، طالت عمق إسرائيل، متجاوزة بذلك الخطوط الحمراء، وبالتالي يمكن القول إن إيران دخلت الحرب “بجسدها” بعد انتظار وترقّب وتشكيك، فاجأت إيران العالم بقرار استراتيجي ترجمته بإطلاق 200 صاروخ.
في الشكل، استعملت إيران صواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت بنسبة تتراوح بين 4 و 14 ضعفاً، لا يستطيع رادار القبة الحديدية التقاطها والتصدّي لها. ويكشف خبير عسكري مطلع، انّه يتمّ التخفيف من وزن الصواريخ المماثلة لكي تتمكن من بلوغ هذه السرعة.
ويضيف، انّه لا يمكن تخفيف ثقل الصاروخ الاّ من خلال تخفيف ثقل رأس الحربة الخاص به، أو أحياناً يتمّ إلغاؤه كلياً لتزيد سرعته، وفي هذه الحالة وعند سقوطه على الأسطح مثلاً يدمّرها وحدها فقط ولا يضرّ بالمحيط، بمعنى أنّ سرعته تفوق مفعوله، ولكنه في المقابل يكون قد كبّد العدو خسارة مادية بخسارته لصواريخ الـ patriot المضادة التي تصل كلفة الصاروخ الواحد منها إلى مليون دولار اميركي.
اما من حيث المضمون، فيمكن القول إنّ إيران استطاعت خرق القبة الحديدية لإسرائيل، وإنها أصابت أهدافها بـ80 صاروخاً. فيما الأضرار لا يمكن لأحد معرفة حجمها، لأن ليس من طرف داخل إسرائيل يمكنه كشف الحقائق. وإذا اكتفينا بما اعلنته إيران، تكون تلك الصواريخ قد استهدفت مصفاة نفط وخزانات وقود والمطار والمنصات التي انطلقت منها الصواريخ التي استهدفت الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله واسماعيل هنية.
في المدلولات، يُقرأ إطلاق الصواريخ مدخلاً لمرحلة جديدة، بعد طول انتظار إيراني وعدم ردّ على استهدافات اسرائيل المتمادية لـ”حزب الله”، والحشد الشعبي والحوثييين، وخصوصاً بعد اغتيال رمزها الأثمن السيد حسن نصرالله.
وبالرغم من كل هذا التراجع، حافظت إيران على رباطة جأشها، وقالت علناً انّها لن تُستدرج للحرب، الاّ انّ الحملة الكبيرة التي خوّنتها، والتي انطلقت من لبنان وانسحبت إلى إيران، دفعتها إلى تبديل رأيها، خصوصاً بعدما وجد الحرس الثوري الإيراني أن لا خيار آخر لديه غير المواجهة؛ حتى انّ الرئيس الإيراني قال غداة إطلاق الصواريخ على إسرائيل: “إنّ قرار ضبط النفس لم يكن في صالحنا”.
وهذا يدلّ إلى أنّ إيران قبلت التحدّي واختارت المواجهة وقطعت الشك باليقين.
أما السؤال الأهم، فهو ماذا بعد ردّ إيران؟ هل ستجيب إسرائيل وكيف سيكون ردّها، وهل سيكتفي الاثنان بـ “ضربني و بضربك”، وانتهت الحكاية أم أنّها ستتطور؟
وفق المعطيات، إنّ إسرائيل لم تنم منذ ليل أمس الاول، وحسمت أمرها بأنّها لن تدع صفعة إيران تمرّ مرور الكرام.
وهذا هو بنك اهدافها المتوقع: منشآت النفط، أنظمة الدفاع الجوي، مراكز الحرس الثوري، مراكز النووي، مواقع استراتيجية، واغتيال شخصيات أمنية او عسكرية.
فإذا ما أتمت إسرائيل تلك الضربات، السؤال المطروح، ما مدى استعدادات إيران لتلقّي تلك الضربات، وهل تصمت ام تستمر بالمواجهة حتى النهاية؟
في التحليل، ركّز التصريح الأول لإيران بعد استهداف إسرائيل على انّ “هذا ردّنا على اغتيال اسماعيل هنية وحسن نصرالله وقائد فيلق القدس في لبنان”… فهل قصدت إيران أنّها اختصرت الردّ (3 بواحد)؟ وذلك للقول بأنّها سدّدت دين دم قادتها الثلاثة، ومن جهة ثانية الإشارة للمجتمع الدولي بأنّها لا تريد التوسع بالحرب، في وقت يؤمن مناصرو القادة الثلاثة أنّ دماء كل واحد منهم يستحق رداً يليق بحجمه ومكانته ورمزيته؟
وفي السياق، كشفت مصادر ديبلوماسية متابعة، أن إيران أبلغت أميركا عبر السفارة السويسرية والديبلوماسية الفرنسية والإيطالية والألمانية، عزمها على استهداف اسرائيل بالصواريخ مساء امس، أي أن إيران استعملت سياسة العصا والجزرة مع إسرائيل.
وترى مصادر متابعة، أنّ إبلاغ إيران أميركا بواسطة الديبلوماسية نيتها استهداف إسرائيل بصواريخها، ولو قبل انطلاق تلك الصواريخ بفترة قصيرة، يدلّ إلى أنها لا تريد قطع الوصال معها، ولو انّ لديها حساباً مع إسرائيل واجب ومفروض عليها تسديده، الّا انّها في المقابل قالت لأميركا “لا أريد تصدير الثورة ولا تصدير الحروب بعد الآن”.
لبنان إلى أين؟
تقول مصادر مطلعة، انّ احتدام الجبهة في لبنان نسبته مرتفعة، إذ انّ اسرائيل تدرك أنّ “حزب الله” والحشد الشعبي والحوثيين يشكّلون أذرع إيران الأساسية التي تعمل لخدمة الرأس، أي إيران، وعندما تتوجّه إسرائيل لضرب الرأس ستتحرك فوراً الأذرع. وهنا تتظهر”وحدة الساحات”، المشهد الذي يُطلق عليه المواجهة الشاملة.
لذلك، إذا أرادت إسرائيل تجنّب “وحدة الساحات” قبل التوجّه إلى المواجهة الفاصلة مع إيران، فسوف تختار القضاء أولاً على الأذرع، أي كما تتصرف اليوم مع “حزب الله”. وإذا قرّرت إسرائيل المواجهة فإنّها لن تستطيع فصل الأذرع عن الرأس وستضطر إلى مواجهة “وحدة الساحات”.
ولا تستبعد المصادر ان يستغل نتنياهو الضربة للتوسع في الحرب، وقد جاءته في عقر داره على طبق من ذهب وفي توقيت مناسب له.