لم تكن إسرائيل وإيران أقرب إلى حرب إقليمية مما هما اليوم.
«من يهاجمنا، سنهاجمه»، هي المعادلة الجديدة المتبادلة بين إيران وإسرائيل.
هذه المعادلة رفعت مخاطر الانزلاق إلى حرب إقليمية واسعة بين إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية من جهة، وإيران وحلفائها في المنطقة من جهة أخرى، إلى أعلى المستويات.
لم يعد القتال محصوراً بين إسرائيل، و«حماس» و«حزب الله»، لأنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تدرّج وتوسّع في أهدافه الحربية المُعلنة والسرّية، في مخططٍ خطيرٍ لتغيير المعادلات الاستراتيجية في الشرق الأوسط، تكون فيه لإسرائيل اليد الطولى في بسط نفوذها على المستوى الجيو-سياسي لأمدٍ طويل.
ولم تعد القيادة السياسية في إسرائيل تكتفي بما دمّرت في غزّة ولبنان، ولا بما ألحقت من خسائر في صفوف «حزب الله»، لأسباب عدة أبرزها:
1- التفوّق المخابراتي والتكنولوجي الإسرائيلي الذي كشف سلاح الإشارة في «حزب الله»، وبالتالي كشف قيادات حزبية وميدانية أمنياً، وجعل منها أهدافاً سهلة، وتمكّن من اغتيالها.
2- ردود الحزب وطهران والحوثيين وغيرهم، التي لم تأتِ في حجم الضربات الإسرائيلية ونتائجها، ولا على قدر آمال بيئة الحزب ومناصريه وتوقّعاتهم، خصوصاً بعد «بروباغاندا»، لا مبالغة في وصفها بالـ «مبالغ بها».
انطلاقاً من ذلك، غلبت نشوة «الانتصار القصير المدى» على حسابات إسرائيل، ورئيس وزرائها، فوسّع دائرة عملياته العسكرية والمخابراتية في اتجاه غزو برّي للبنان، «محدود وموقت»، ولا يبدو محدوداً ولا موقتاً، وراح يعدّ العدّة لشنّ هجوم على البرنامج النووي في العمق الإيراني بهدف تدميره، ظناً منه أنّ الفرصة متاحة حالياً، مخابراتياً وعسكرياً وتكنولوجياً ودولياً، خصوصاً أنّ واشنطن تؤازره ظالماً كان لا مظلوماً.
في المقابل، حسمت إيران خيارها، وقرّرت الانتقال من مرحلة «انتظار حلّ ديبلوماسي وسياسي» غير موجود، إلى إرسال رسالة صاروخية مدوّية إلى العمق الإسرائيلي.
وبعيداً من الغرق في توصيفات هذا الردّ، نجاحه أو إخفاقه، فإنّ مضمون الرسالة جاء واضحاً وحاسماً، من الناحيتين السياسية والاستراتيجية:
اولاً، أكّدت طهران أنّ «حزب الله» خط أحمر بالنسبة إليها. هو ليس وحيداً ولا لقمة سائغة، ولن تقبل طهران باستفراده ولا القضاء على قدراته.
ثانياً، إنّ طهران لن تبقى مكتوفة ولن تترك الساحة الإقليمية لإسرائيل لتقضي على حلفائها ووكلائها.
ثالثاً، لن تنكفئ إيران عن الحرب الإقليمية إذا ما فُرضت عليها. ولن تستسلم للتهديدات الإيرانية والتحذيرات الأميركية.
أيقنت طهران أنّ الولايات المتحدة منخرطة في الحرب إلى جانب حليفتها إسرائيل، وأنّ الرئيس الأميركي لم ولن يستطيع كبح جماح نتنياهو، وإنما العكس، وافقت الإدارة الأميركية على مخططاته الهجومية، وزوّدته بما يحتاج من أقمار صناعية تجسّسية و«داتا» حسّاسة للغاية ومنظومات هي الأكثر تطوراً للدفاع الجوي، وأسلحة فتّاكة مثل تلك التي استُخدمت في اغتيال الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله.
هاجمت إيران إسرائيل بنحو 200 صاروخ يوم الثلاثاء، واعترف مسؤولون في وزارة الدفاع الإسرائيلية، التي تفرض رقابة عسكرية مشدّدة على وسائل الإعلام لمنع حصول بلبلة وإحباط على مستوى الرأي العام الإسرائيلي، بأنّ العشرات من الصواريخ الإيرانية استهدفت مقرّ «الموساد».
إسرائيل من جهتها، تستعدّ لشن «ردّ كبير» على الهجوم الإيراني الضخم خلال أيام معدودة، وكل الخيارات مطروحة على الطاولة، بما في ذلك ضرب المنشآت النووية الإيرانية، وعمليات اغتيال، وتدمير أنظمة دفاع جوّي ومنشآت نفطية، كأهداف محتملة.
وفي المقابل، ستردّ إيران بضربات قويّة مرّة أخرى. وكل ردّ يستتبع ردّاً، فتدخل المنطقة في حرب شاملة.
ولكن، هل تستطيع الولايات المتحدة أن تحتوي مثل هذه الحرب الواسعة، بعدما أكّدت دعمها الردّ الإسرائيلي بكل الإمكانات، وطلبت أن يكون محسوباً، تحت سقف عدم الانزلاق إلى حرب إقليمية؟
نتنياهو لا يفهم غير لغةٍ واحدة هي القوة، يستعمل القوة، وإذا فشل يستعمل مزيداً من القوة، ولا يردعه الاّ مواجهته بمزيدٍ ومزيدٍ من القوة.