على وقع استمرار الاعتداءات الجوية الاسرائيلية على الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت، وردّ «حزب الله» عليها بقصف صاروخي للمواقع والقواعد العسكرية في الجليل وصولاً إلى حيفا وما حولها وإلى الجولان السوري المحتل، بدأت أروقة الامم المتحدة تشهد حراكاً ديبلوماسياً يدفع في اتجاه وقف الحرب، وقد استدعى هذا الحراك سفر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى نيويورك لمواكبته، وتبين انّ الوسيط الرئاسي الاميركي عاموس هوكشتاين في شأن تنفيذ القرار الدولي 1701 في الجنوب، يشارك فيه. في وقت تردّد انّ عدداً من وزراء الخارجية العرب يجتمعون هناك ويبحثون في سبل إيجاد حل يمنع انزلاق المنطقة إلى حرب شاملة.
واصل العدو الاسرائيلي المرحلة الجديدة من عدوانه الواسع على لبنان، عبر الاستمرار في القصف الجوي للجنوب والبقاع، وشن الغارات على الضاحية الجنوبية ضمن إطار ملاحقة قياديين عسكريين في «حزب الله»، من دون أي مراعاة لخصوصية الأحياء السكنية المكتظة.
ولفتت اوساط متابِعة لـ«الجمهورية»، الى انّ مجريات الميدان أظهرت انّ «حزب الله» استطاع امتصاص موجة القصف الجوي غير المسبوق وتداعياتها على بيئته المدنية، ثم انتقل الى تعطيل جدواها العملانية والعملياتية عبر المواظبة على قصف شمال فلسطين المحتلة حتى حيفا ومحيطها.
ولاحظت الاوساط، انّ الحزب يتدرج في استخدام إمكاناته العسكرية وتوسيع النطاق الجغرافي لاستهدافاته، وفق روزنامة واضحة وخريطة مدروسة تعكسان استعداده للتحلّي بنَفَس طويل في المواجهة. واشارت إلى انّ الحزب أخرج من مخازنه امس صاروخ فادي 3 بعد فادي 1 و2، في ارتقاء مدروس بنوعية الأسلحة المستخدمة، انما من دون كشف المستور الاستراتيجي الذي يمكن أن يشكّل تحوّلاً نوعياً في مسار المعركة ومعادلاتها في الوقت المناسب.
وتوقفت الاوساط عند تركيز الحزب حتى الآن على قصف أهداف عسكرية في الكيان الاسرائيلي، على رغم المجزرة التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي في حق المدنيين اللبنانيين خلال اليومين الماضيين، ما يؤشر بوضوح إلى انّ المقاومة لا تزال تتصرف بمسؤولية وتتفادى إعطاء العدو ذريعة لشن حرب شاملة، وإن كانت ستحرّرها من الضوابط التي لا تزال تقيّدها وتحول دون أن تستخدم كل طاقتها الهجومية.
واكّدت الاوساط المتابعة «انّ نتنياهو سيكتشف عاجلاً ام آجلاً انّ الحملة الجوية لن تحقق اياً من أهدافه المعلنة، اما إذا نزل إلى الأرض فستكون مهمته أصعب بكثير».
بايدن
وفي الموقف الاميركي، أشار الرئيس جو بايدن في كلمة له في الامم المتحدة، إلى «انّ أي دولة من حقها أن تضمن عدم تكرار أهوال 7 تشرين الاول التي ارتكبتها «حماس»، وانا أعمل مع قطر ومصر من أجل التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار، وآن الأوان لإعادة الاسرى ووقف الحرب». واكّد «انّ الديبلوماسية هي السبيل الوحيد لتحقيق الأمن والسماح لسكان الحدود اللبنانية- الإسرائيلية بالعودة الى منازلهم، ونحن نعمل على التوصل لحل ديبلوماسي في شأن التوتر على الحدود الإسرائيلية ـ اللبنانية». وأوضح «انّ التقدّم نحو السلام سيضعنا في موقف أقوى لمواجهة التهديد الذي تشكّله إيران».
ونقلت وكالة «أسوشيتد برس» عن مسؤول في الخارجية الأميركية، قوله: «نحن ودول أخرى حريصون على تقديم مخرج لكل من إسرائيل و«حزب الله» للحدّ من التوتر». وأشار إلى «أننا سنطرح أفكاراً لاستعادة الهدوء أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة هذا الأسبوع».
ولكن مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان استبعد قبول إسرائيل و»حزب الله» أي اتفاق لوقف الحرب، وقال إنّه ينبغي دفعهما إلى «وقف دورة العنف وتجنّب حرب أوسع».
بلاسخارت في إسرائيل
في غضون ذلك، تابعت المراجع المعنية زيارة المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان، جينين هينيس ـ بلاسخارت إسرائيل ليومين، وسط تعتيم إسرائيلي إعلامي عليها، إذ لم يُعلن عن لقاءاتها في تل أبيب التي تناولت التطورات في غزة والضفة الغربية ولبنان. فيما شدّدت المراجع الأممية في بيروت على انّ الزيارة كان هدفها «التشديد على أنّه لا يوجد حل عسكري من شأنه أن يوفّر الأمان لأيّ طرف. وإنّ سلامة المدنيين على جانبي الخط الأزرق واستقرار المنطقة باتا على المحكّ، مما يستوجب إفساح المجال لنجاح الجهود الديبلوماسية».
وتزامناً، قالت مصادر ديبلوماسية مواكبة لـ«الجمهورية»، انّ البحث بين بلاسخارت والمسؤولين الاسرائيليين تناول الظروف التي تواكب الحراك الديبلوماسي في الأمم المتحدة على هامش اجتماعات جمعيتها العمومية وعقد جلسات استثنائية لمجلس الأمن، دعت إليها فرنسا في نسخة منقحة يُعتقد أنّها قد لا تخرج عمّا انتهت اليها جلسة الجمعة الماضي بناءً على دعوة الجزائر بصفتها ممثلة المجموعة العربية في المجلس.
ولفتت المصادر إلى انّ من اسباب عدم الرهان على زيارة بلاسخارت لتل ابيب، رفض اسرائيل لمواقف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في شأن غزة، قبل ان يتناول الوضع في لبنان، وخصوصاً لجهة اتهامه إسرائيل بالخروج عن كل القواعد والمواثيق الإنسانية في تفجيرات لبنان التي طاولت شبكات النداء والتواصل اللاسلكية، عدا عن اتهامها بدعم حركة «حماس» لتعزيز الانشقاق الفلسطيني منذ اعوام عدة وحتى الأمس القريب، وصولاً الى تسهيل وصول الأموال الخاصة بها إليها.
لودريان يضيّع وقته
وفي هذه الأجواء، تتبعت المراجع السياسية والديبلوماسية بخفر زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان للبنان، من دون انتظار اي مفاجأة، وسط اعتقاد بأنّها قد تكون لتضييع الوقت إلى أن تصمت المدافع.
وقالت مصادر ديبلوماسية وسياسية لـ «الجمهورية»، انّ لودريان لم يحمل معه اي معطيات محدّدة، وانّ مجموعة الأفكار التي طرحها لا يمكن أن ترتقي إلى مستوى الحديث عن مبادرة فرنسية جديدة. ذلك أنّ حصيلة مشاوراته مع الجانب السعودي في اللقاء الذي جمعه في الرياض اخيراً مع الوزير المفوض لدى الديوان الملكي نزار العلولا في حضور السفير السعودي في لبنان وليد البخاري، لم تنته الى أي مشروع متكامل لمجرد أنّه قد تقرّرت متابعة الاتصالات مع الأطراف الاخرى الخارجية والداخلية وعلى مستوى سفراء الخماسية، وهو ما تمّ في المواعيد المحدّدة لها من دون الوصول إلى أي خطوات تنفيذية، بعدما ثبت لديهم أنّ المواقف ما زالت على حالها.
وعلى رغم من هذه الأجواء السلبية الى حدّ ما، قالت مصادر قريبة ممن التقاهم لودريان لـ«الجمهورية»، انّه لفت الى ضرورة أن يتحرك اللبنانيون في الظروف الحالية، علّهم ينجحون في التفاهم على «مرشح ثالث». كما فهم تلميحاً من محادثاته أمس المختصرة جداً مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي والتفصيلية مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، رابطاً هذه الخطوات مع إمكان التفاهم على وقف للنار يُنجز فيه الفصل بين ما يجري في لبنان وغزة.
تركيا وقطر
في موازاة الحراك الفرنسي، أولت مصادر نيابية أهمية للقاءات التي سيجريها في بيروت الوفد الاستخباري القطري ـ التركي مع مرجعيات وقوى داخلية، وبينها «حزب الله»، بهدف الخروج من عنق الزجاجة.
وإذ تردّد أنّ الوفد يحمل معه أفكاراً تهدف إلى فك الارتباط بين جبهتي غزة والجنوب وخلق منطقة آمنة على الحدود، بعمق بضعة كيلومترات، فإنّ التحدّي يبقى في مدى استعداد «حزب الله» للاستجابة إلى هذين الشرطين، فيما هو يرفض حتى الآن تقديم أي تنازل يستشف منه الرضوخ للمطالب الإسرائيلية، مباشرة أو مداورة.
موقف بزشكيان
ولفت امس موقف عبّر عنه الرئيس الايراني مسعود بزشكيان لشبكة «سي.ان .ان» الاميركية، إذ قال إنّ «حزب الله لا يستطيع مواجهة إسرائيل منفرداً»، معتبراً أنّ «الهجوم الإسرائيلي على لبنان يخاطر بإشعال النزاع في المنطقة»، واكّد «أنّ الخطر قائم من أن تمتد نار الأحداث في لبنان إلى المنطقة برمتها». وقال: «لا يستطيع «حزب الله» أن يفعل ذلك بمفرده ولا يمكنه أن يقف بمفرده أمام دولة تدافع عنها وتدعمها وتغذيها الدول الغربية والدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية».
وعمّا إذا كانت إيران ستحضّ «حزب الله» على ضبط النفس في ردّه على الضربات الإسرائيلية، قال بزشكيان: «إنّ «حزب الله» يواجه دولة مسلحة بشكل جيد جداً، ولديها إمكانية الوصول إلى أنظمة أسلحة تفوق بكثير أي شيء آخر»، وحذّر قائلاً: «يجب ألّا نسمح بأن يصبح لبنان غزة أخرى على أيدي إسرائيل».