جهدت المراجع السياسية ومعها الإعلامية لفهم ما جرى في لقاء سفراء «الخماسية» في ضيافة السفارة الفرنسية، لاستكشاف المرحلة المقبلة، وما أنجزه حراكهم بين أكثر من عاصمة ومقر في الخارج والداخل، بحثاً عن «مرشح مفقود» لرئاسة الجمهورية. وفي ظل غياب أي بيان والاكتفاء بصورة عمّمتها السفارة المضيفة وتغريدة للسفير السعودي عن مشاركته في اللقاء، جاءت الرواية من لقاء اجتماعي جمع أحدهم بأصدقائه، فتناول العناوين المطروحة وانتهى إلى ما معناه: «ما ذنبنا انتم بنيتم على اجتماعنا أكثر مما بنيناه نحن». وعليه ما الذي يعنيه ذلك؟
سال حبرٌ كثير قبل أيام قليلة على اجتماع الخماسية العربية والدولية من أجل لبنان في 14 أيلول الجاري، بعدما تسرّب الخبر عن موعده غداة توجّه السفير السعودي وليد البخاري إلى الرياض في السابع من الجاري ليشارك في اللقاءات التي عقدها الموفد الرئاسي الفرنسي الوزير جان إيف لودريان مستغلاً زيارته لمقر عمله الجديد في «المؤسسة الفرنسية ـ السعودية لتطوير مدينة العلا» منذ حزيران الماضي لعقد لقاءات مع المعنيّين بالملف اللبناني وفي مقدّمهم الوزير المفوّض لدى الديوان الملكي نزار العلولا والبخاري، للبحث في ما سُمّيَت اقتراحات فرنسية تشكّل مخرجاً لانتخاب رئيس للجمهورية.
وبمعزل عن التفاصيل القليلة حول لقاءات لودريان والعلولا واقتصارها على تسريبات متناقضة لا تغني ولا توفّر أي معلومة مفيدة عن حصيلتها، كان واضحاً أنّها لم تنتهِ إلى أي اقتراح يؤدي للنفاذ بالاستحقاق الدستوري في ظل انشغال العواصم الكبرى بملفاتها المتأرجحة بين الانتخابات الرئاسية الأميركية وتشكيل الحكومة الفرنسية الجديدة وتردّدات العدوان على غزة والضفة الغربية ولبنان.
وفي ظل هذا الغموض الذي لفّ نتائج المشاورات الجارية في الكواليس الديبلوماسية التي تُعنى بالوضع العسكري والأمني في الجنوب ومدى انعكاساتها على الملفات الداخلية في البلاد، بقيت الأمور عالقة أمام الجولات الاستطلاعية لسفراء الخماسية على هامش المواقف التي رافقت تجديد رئيس مجلس النواب نبيه بري دعوته إلى الحوار أو التشاور تمهيداً للدعوة إلى جلسة انتخاب رئاسية طال انتظارها منذ آخر جلسة في 14 حزيران 2023 وردات الفعل التي لم تسجّل أي تغيير يؤدّي إلى مثل هذه الخطوة وما أراده بري منها. وكل ذلك يجري على وقع التشكيك المتعاظم بها وبأهدافها التي يضجّ بها الوسطان السياسي والديبلوماسي بحثاً عن أهدافها المضمرة وما يمكن أن تنتهي إليه إن صحّت الرواية عن النية في إجراء تعديل دستوري يريده بعض الأطراف المؤثرة وتعديل قانون الانتخاب بما ينهي الضمانات التي جاءت بعدد من النواب غير المنسجمين مع «الثنائي»، عدا عن إعادة تأكيد ما يمكن أن تشكّله أي طاولة حوار أو تشاور من مخالفة دستورية.
عند هذه الصورة كان الحديث يتمحور في لقاء اجتماعي جمع أحد سفراء الخماسية ومجموعة من الأصدقاء دفعته إلى تقديم عرض سريع عمّا جرى في الإجتماع والظروف التي أدّت إليه والدوافع، بعيداً من التسريبات التي تلته وما جمعته من توصيفات سطحية وأخرى تلامس التمنيات والرغبات لا المعلومات والعقبات التي تحول دون إنتاج «صيغة فذة» تُخرج الأزمة من عنق الزجاجة نتيجة التداخل بين التطوّرات والمواقف الداخلية والعوامل الخارجية التي تهدّد في اتجاه الانهيار الكبير المؤجّل.
ولما كانت المجالس بالأمانات، فقد سمحت الظروف بالإشارة إلى بعض الملاحظات عمّا جرى في اللقاء بعدما قدّم لمداخلته بما معناه «لسنا مسؤولين عمّا بناه اللبنانيّون من آمال على هذ الاجتماع وقد ذهبوا بعيداً بما لم نره أو يمكننا فعله نحن لنبني عليه». داعياً من اليوم «عدم الرهان على زيارة لودريان إلى بيروت بعد ايام». وأضاف مفنّداً إياها كالآتي:
– يدرك المجتمعون حجم الضغوط الدولية المؤثرة على ساحتكم والتي لا تسمح بالفصل بين ما يجري في غزة والاستحقاق الرئاسي وما عدا ذلك تعمية وخروج عن الواقع. وهل نسيتم أنّ ما يجري في الجنوب انعكس تأجيلاً لانتخاباتكم البلدية والاختيارية وإن استمرّ الوضع على ما هو عليه لن تكون هناك انتخابات رئاسية ولا نيابية إن طالت الحرب والحديث عن تعديل قانون الانتخابات النيابية يعقّد الأمور ولا يحلها.
– علينا كمجتمع دولي وعربي أن نحتسب ما يجري في المنطقة وما بين طهران وواشنطن والرياض مختلف، التي شبكت معها مساراً تفاوضياً يتناول الملف النووي إلى آخر قضية في المنطقة، حيث تنتشر أذرعتها. انتظرتم وانتظرنا تفاهماً سعودياً ـ إيرانياً كرّسه «تفاهم بكين» ولم يتحقق، وما شهدته الساحة اللبنانية بإرادة عزّزت الخيارات التي انقادت إليها البلاد من دون إرادة أبنائها.
– الفشل الأميركي في إدارة ملف المفاوضات لوقف النار وتبادل الأسرى في غزة، وهو ما عزّز فشل المجتمع الدولي أيضاً ليس لسبب سوى فقدان الرؤية المشتركة وحجم التدخّلات التي أعاقت كثيراً من مشاريع الحل في ظل انهماك العواصم الكبرى بملفات داخلية كبرى تمسّ إداراتهم وقدرة إسرائيل على استغلالها.
– ليس من السهل تغيير المعادلات النيابية الداخلية لضمان الوصول إلى أكثرية نيابية ترجّح كفة مرشح على آخر، وما تشهده بعض الكتل النيابية من تفكّك ومحاولات تغيير مواقف أخرى بالترغيب أو الترهيب لم تكتمل ومن الصعوبة الوصول إلى تكوينها.
وما ثبت لدى المستمعين هو أنّ ليس هناك من قدرة فرنسية على بناء مبادرة كاملة ومتكاملة، ولا الجانب الأميركي جاهز للبت بملفات لبنانية داخلية وهمّهم إبعاد الحرب عن لبنان والحفاظ على جيشه وتماسكه ليس لمصلحة أميركية فحسب، بل لعلمه أنّ عملاً عسكرياً كبيراً يؤذي ما تبقى من مؤسسات توحّد اللبنانيّين. وفيما للجانب القطري موقف واضح يعطي الأولوية لدعم الجيش ومشاريع إنمائية، فيما المصري يعرف غياب «المونة» لـ»الأم العربية الكبرى» وتحتفظ السعودية برعايتها للتوافق اللبناني على «اتفاق الطائف» ووقف المهاترات السياسية والطائفية التي تهدّد التعايش بين اللبنانيّين مسلمين ومسيحيّين وهو ما ترجمه السفير السعودي في زيارته للديمان أمس.