بقدرة قادر مرّ القطوع الحربي أمس الأول الأحد، واما نتائج ما حصل فيه وحجم ما خلّفه، فمتروكة للايام لتفصح عنها. ولكن السؤال الذي يشغل اللبنانيين وغير اللبنانيين: هل انتهى الأمر عند هذا الحد، ورُحِّل شبح الحرب عن الاجواء الى غير رجعة، أم أنّه ينتظر لحظة تصعيدية جديدة ينطلق فيها نفير الحرب من جديد؟
مع استمرار تدحرج كرة النار، واحتدام المواجهات القاسية وتراكم الاحتمالات على حافة الهاوية، فإن الجواب في عهدة الآتي من الايام وما تخبئه من انفراجات او انفجارات. الا أنّ التطوّر الأبرز الذي طفا في الساعات الاخيرة على سطح جبهة الجنوب اللبناني، تجلّى في الرسائل المباشرة سواء من «حزب الله» او اسرائيل، التي اعقبت ما سمته اسرائيل الهجوم الاستباقي، وردّ الحزب على اغتيال أحد أكبر قيادييه فؤاد شكر، بأنّهما لا يرغبان في تدحرج هذه المواجهات إلى حرب واسعة تلقي المنطقة برمّتها في مهب سيناريوهات شيطانية وأكلاف تدميرية مرعبة فوق التوقعات.
وعلى الرغم من محافظة «حزب الله» واسرائيل على نبرة عالية من التصعيد والوعيد، إلّا أنّ ذلك لا يغيّر في حقيقة أنّ تلك الرسائل كانت – بإعلان اسرائيل انتهاء ما سمّته الهجوم الإستباقي، وإعلان «حزب الله» إنتهاء «عمليّة الأربعين» – شديدة الصّراحة والوضوح لناحية ما بدا أنّه حصرٌ لمواجهات الأحد، برغم عنفها الشديد واتساع رقعتها، في نطاق محدود وضمن حدود ما حصل وتحت السيطرة.
قواعد الاشتباك
اليوم الحربي الأحد الماضي، بالشكل الذي انته فيه، لم يطفىء النار، بل ابقى جمرها مشتعلا فوق الرماد وتحته على طول خط الحدود الجنوبية، ولكن ما بدا جليا على خطّ التقديرات والتحليلات، أنّها قرأت فيه خاتمة مريحة، تجلّت في رغبة غير معلنة من قبل «حزب الله» والجيش الاسرائيلي في العودة الى الانخراط مجددا ضمن قواعد الاشتباك، او بمعنى أدق ضمن ما تبقى من قواعد الاشتباك التي حكمت المواجهات بينهما منذ احد عشر شهرا. وأمّا تطوّر الأمور سواء في اتجاه التبريد او التصعيد، فمرهون أولا بمجريات الميدان العسكري وما قد يستجد فيه، وثانيا بما قد يطرأ من مستجدات على خطّ المفاوضات الرامية الى صياغة صفقة تبادل بين اسرائيل وحركة «حماس» وانهاء الحرب في غزة.
الكلمة حتى الآن هي للميدان العسكري، الذي يبدو أنّه سيبقى مفتوحاً لمدى طويل، في ظلّ مراوحة المفاوضات في دائرة المماطلة والفشل، وانعدام أيّة مؤشّرات حول اختراق ايجابي في المدى المنظور. إلّا أنّ اللافت للإنتباه في هذا السياق كانت الحركة الديبلوماسيّة المكثفة التي واكبت وأعقبت مواجهات الأحد.
وكشفت مصادر المعلومات أنّ واشنطن مارست ضغوطاً بصورة متزامنة على الخطّين اللبناني والإسرائيلي لكبح التصعيد وتجنب الوقوع في خطأ الحرب، وتأكيد حاجة الجانبين الى الإنخراط في مسار الحلّ الديبلوماسي. وعلى الخط نفسه كانت خطوط التواصل غير المباشر بين واشنطن وطهران مفتوحة عبر طرف ثالث لم تحدّد المصادر ما اذا كان الطرف الثالث قطر أو عُمان.
وعلى المنوال ذاته، تضيف المصادر عينها، تحرّك الفرنسيون الذين بدوا متهيّبين من سقوط لبنان والمنطقة في حال من عدم الإستقرار ووجهوا رسائل تحذيرية مباشرة من الإنزلاق إلى حرب عواقبها وخيمة على كلّ الاطراف. إضافة الى البريطانيين الذين عبروا عن قلق متزايد من تصاعد التوتر وحثوا جميع الأطراف على أن تساهم في خلق مناخات تجنّب منطقة الشرق الأوسط تصعيدا خطيرا».
وتلفت المصادر الى «أنّ النقطة المركزية التي ركزت عليها الاتصالات الديبلوماسية، كانت من شقين؛ الأول هو أن احتمالات الحرب الواسعة اكبر ممّا كانت عليه في الأشهر الماضية، ما يعزّز الحاجة الى تجنّبها بكلّ الوسائل، وأهميّة إنصياع كلّ الأطراف إلى ضبط النفس، وتحديداً من قبل «حزب الله» وعدم التسبب باشعال الحرب، وهذا يضع الجانب اللبناني أمام مسؤولية ثني الحزب عن الاقدام على أيّة خطوات تصعيدية تتعارض مع مصلحة لبنان وتفاقم المخاطر عليه.
واما الشق الثاني، تضيف المصادر، فهو التأكيد على أنّ نزع فتيل الحرب على جبهة جنوب لبنان، يبقى مستعصيا طالما ان الحرب في قطاع غزة ما زالت مستمرة. وثمة تقاطع بين الديبلوماسيين الغربيين على أن هذه الحرب اصبحت بلا أفق، والاميركيون على وجه الخصوص يؤكدون أنه آن الأوان لوقف الحرب، وصار من الملح على اسرائيل وحركة «حماس» الوصول الى وقف فوري لاطلاق النار والانخراط في تسوية تؤدي الى انهاء الحرب واطلاق سراح الاسرى الاسرائيليين.
تحذير
وفي وقت يستعد فيه مجلس الامن الدولي الى تمديد مهمة اليونيفيل في 31 آب الجاري لسنة جديدة، من دون تغيير في مهامها المنصوص عليها في التمديد السابق في العام الماضي، ما زالت تحذيرات اليونيفيل تتوالى من أن الاعمال العدائية على جانبي الخط الازرق شهدت تحولا خطيرا في الآونة الأخيرة، يعزز القلق من أن استمراره بالوتيرة التصاعدية الملحوظة أن يخلق واقعاً خطيراً يهدّد حياة المدنيين على جانبي الخط الازرق. فيما برزت رسالة عاجلة من الامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريش يعبر فيها عن قلق بالغ من التصعيد ويدعو الى خفض التصعيد ويحث على وقف الاعمال القتالية.
طلب مستغرب
الى ذلك، وفي موازاة الدعوات الدولية، وخصوصا من اليونيفيل والامم المتحدة، الى ضرورة التزام الاطراف بالقرار 1701، عبّر مسؤول كبير عن استغرابه لتركيز هذه الدعوات في اتجاه لبنان حصرا، من دون أن تتوجّه اي دعوة جدية الى اسرائيل للامتثال لهذا القرار. وابلغ المسؤول عينه الى «الجمهورية» قوله: ان محادثة جرت في الآونة الأخيرة بيني وبين مسؤول غربي رفيع المستوى، وانني في معرض تأكيدي على التزام لبنان بالقرار 1701 بكل مندرجاته، سألته عما اذا كانت ثمة ضمانات بالتزام اسرائيل بهذا القرار ووقف خروقاتها له التي تجاوزت الـ35 الف خرق، فلم ألق منه جوابا واضحا، سوى القول ان بلاده تحث جميع الاطراف على احترام القرار 1701. مع الأسف، لا توجد معايير موحدة بالنسبة الى القرارات الدولية، بل هناك معيار واحد خلاصته انهم يطلبون منا ما لا يجرؤون على ان يطلبوه من اسرائيل».