بـ»غموض بنّاء» غلّف الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله مواقفه، متوعداً بردّ كبير على اسرائيل، من دون ان يحدّد الزمان والمكان، على رغم تعداده الجبهات التي يمكن ان ينطلق منها هذا الردّ او الردود، سواء على اغتيال معاونه الجهادي فؤاد شكر (السيد محسن) او رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» اسماعيل هنية، وخاطب الاسرائيليين قائلاً: «تضحكون الآن قليلاً ولكنكم ستبكون طويلاً». وأوحى انّ ما بعد اغتيال شكر وهنية لن يكون كما قبلهما، على مستوى المواجهة مع العدو الأسرائيلي عبر جبهات محور المقاومة.
وفي هذه الاجواء، لفت مستشار الأمن القومي الأميركي، جاك سوليفان الى أنّ الولايات المتحدة «تراقب من كثب الأحداث في الشرق الأوسط وخطر التصعيد نحو حرب إقليمية قائم الآن»، وقال: «من السابق لأوانه تحديد التأثير الذي قد يخلّفه موت رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية، وعلينا المشاركة في جهود لمنع حرب أوسع من خلال الردع والديبلوماسية وخفض التصعيد».
دخلت الحرب في المنطقة مرحلة جديدة من المواجهة يمكن وصفها حالياً بأنّها أصبحت شبيهة بلعبة الـping pong، وسط مشهد ضبابي ينذر بتصعيد متدحرج وخطير إذا ما التزمت أطراف المواجهة سقوف عدم الانجرار إلى حرب كبرى.
وقال مصدر سياسي بارز لـ«الجمهورية»، انّ كلمة السيد نصرالله «وضعت النقاط على حروف الردّ، بتأكيده انّه سيكون حتمياً ومدروساً، لكنها أخرجته من السياق الطبيعي للعمليات التي انطلقت منذ عشرة اشهر». واضاف المصدر، انّ «الحكمة ظهرت في خطاب السيد الذي قال انّه يبحث عن الهدف، ما يعني انّه لن يكون اعتباطياً ومتسرّعاً إنما نوعياً، وما يعني ايضاً أنّ المواجهة دخلت المرحلة الثانية، اما المرحلة الثالثة فتتوقف على خروج الردّ والردّ على الردّ عن قواعد اللعبة الجديدة».
ولم يستبعد المصدر ان يكون الردّ مشتركاً ومتزامناً، لأنّ المرحلة الجديدة تستدعي انتقالاً في العمليات العسكرية إلى مستوى التطور، خصوصاً لجهة التجرؤ على استهداف بيروت وضاحيتها الجنوبية، علماً انّ «حزب الله» سبق وابلغ الى الوسطاء انّ استهداف بيروت سيغيّر المعادلات، وهذا الأمر في حدّ ذاته يُخرج المواجهة عن مسارها من خلال البدء باستخدام نمط جديد من العمليات.
ورأى المصدر انّ «لا احد يملك صورة واضحة عمّا ستؤول اليه الأمور، ولكن هناك سيناريوهات وضعها كل فريق تصل إلى عمليات التأهّب القصوى». لكن المصدر استبعد ان تتدحرج الأمور سريعاً إلى حرب واسعة لأنّ اللاعبين الأساسيين لا يريدونها.
قشرة سميكة
والى ذلك، لاحظت اوساط متابعة انّ السيد نصرالله احتفظ بأوراق الردّ طي الكتمان، مكتفياً بالتأكيد انّه سيحصل حتماً من دون أن يقدّم اي إضافة تروي غليل العدو الاسرائيلي الذي كان يترقّب الخطاب لمحاولة معرفة مسار الردّ وطبيعته.
واشارت هذه الاوساط الى انّ السيد نصرالله ترك كل ما يتعلق بالردّ من حيث المكان والزمان والهدف والوسيلة، مغلّفاً بقشرة سميكة من الغموض المقصود الذي من شأنه ان يفاقم حيرة قيادة قوات الاحتلال الاسرائيلي وإرباكها في مرحلة الانتظار الثقيل للضربة المحسومة. ورجحت الاوساط أن يأتي ردّ الحزب ومحور المقاومة بين حدّين: تجاوز سقوف المرحلة السابقة في اتجاه تصعيدي وتصاعدي من جهة، ومحاولة تفادي الحرب الشاملة من جهة أخرى، مع الاستعداد التام لخوضها اذا فرضها سلوك نتنياهو.
الحرب الاميركية ـ الإسرائيلية
وكان السيد نصرالله قال خلال تشييع شكر إنّ «العدو استهدف مبنى مليئاً بالمدنيين في حارة حريك خلال اغتياله الشهيد فؤاد شكر. وما حصل في الضاحية هو عدوان وليس فقط عملية اغتيال». وأشار إلى أنّ «العدو سوّق قبل أيام من عدوانه أنّ ما سيفعله هو ردّ فعل، ونحن لا نقبل بهذا التقييم والتوصيف على الإطلاق. وما جرى هو جزء من الحرب الإسرائيلية ـ الأميركية على منطقتنا»، مضيفًا: «العدو يقوم بأكبر تضليل وتزوير عبر اتهام شهيدنا بأنّه قاتل أطفال مجدل شمس». وقال: «هذا ليس ردّة فعل على ما حصل في مجدل شمس بل هذا ادعاءٌ وتضليلٌ، وهو جزء من الحرب ومن المعركة، ولقد نفينا مسؤوليتنا عمّا جرى ونملك جرأة وشجاعة الاعتراف لو كان ذلك خطأ منا، فتحقيقنا الداخلي يؤكّد ألّا علاقة لنا بما جرى في مجدل شمس، والعدو نصّب نفسه مدّعياً عاماً وقاضياً وجلاداً». واضاف: «إسرائيل لا يمكنها أن تسلّم بالفرضية التي تقول بأنّ سبب ما جرى في مجدل شمس هو صاروخ اعتراضي إسرائيلي، واتهامنا بما جرى في مجدل شمس ظالم ومرفوض ويهدف إلى تبرئة جيش العدو مما جرى، والهدف من اتهام المقاومة هو الفتنة الطائفية». ولفت إلى أنّه «بفضل الوعي والمواقف الحازمة من قيادات طائفة الموحّدين الدروز الكريمة تم وأد الفتنة وتعطيلها». وقال: «إننا ندفع ثمن إسنادنا غزة ودعمنا القضية الفلسطينية وهذا ليس جديداً ونحن نتقبل هذا الثمن وندفعه ودخلنا هذه المعركة إيماناً بأخلاقيتها وأحقيتها وأهميتها»، وتابع: «لم نُفاجأ ولن نُفاجأ بأي ثمن يمكن أن ندفعه في هذه المعركة. ونحن أمام معركة كبرى تجاوزت فيها الأمور مسألة جبهات إسناد». وقال: «نحن في معركة مفتوحة في كل الجبهات وقد دخلت في مرحلة جديدة»، وسأل: «هل يتصورون أن يقتلوا القائد إسماعيل هنية في طهران وتسكت إيران»؟
وتوجّه الى الإسرائيليين قائلًا لهم: «ستضحكون قليلاً وستبكون كثيراً لأنكم لا تعلمون أي خطوط حمراء تجاوزتم». وطمأن «جمهور المقاومة الى أننا نسارع إلى ملء أي فراغ يحصل باستشهاد قائد من قادتنا، ولدينا جيل قيادي ممتاز». وشدّد على أنّ «الضغط على الجبهات كي تستسلم المقاومة في غزة لن يجدي نفعاً وهي لن تستسلم».
واضاف: «إذا كان أحد مهتماً بأن لا تذهب المنطقة إلى ما هو أسوأ فعليه الضغط لإنهاء الحرب على غزة، ولن يكون هناك حل من دون وقف العدوان على غزة».
وأعلن أنّه «منذ صباح الغد (اليوم) سنعود إلى العمل في شكل طبيعي ضمن جبهة إسناد غزة، وهذا لا علاقة له بالردّ على اغتيال السيد فؤاد». وأكّد: «القرار الآن في يد الميدان وظروفه وفرصه ونبحث عن ردّ حقيقي ومدروس جداً وليس عن ردّ شكلي». وختم: «على العدو ومن يقف خلفه أن ينتظرا ردّنا الآتي حتماً إن شاء الله وبيننا وبينكم الأيام والليالي والميدان».
اسرائيل تحتسب للردّ
وعلّقت وسائل إعلام إسرائيلية، على خطاب نصرالله، معتبرةً انّه «يبقينا في حالة توتر». وأضافت أنّ «السيد يقول إنّ الحزب سيعاود تنفيذ العمليات، وهذا يعني أننا سنرى في الشمال ما رأيناه منذ 10 أشهر». وقالت إنّ المسؤولين في إسرائيل يقدّرون أنّ «الردّ آتٍ من لبنان»، متسائلةً: «كيف ستكون النتيجة؟».
وفي السياق، ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية «انّ الخيار الأكثر ترجيحًا هو الهجوم على إسرائيل من العراق واليمن وسوريا، وانّ «حزب الله» قد يشنّ هجوماً منفرداً بعد هجوم الفصائل.
ومع استمرار التوتر شديداً على طول خط الحدود الجنوبية وسط استمرار الاعتداءات الاسرائيلية تعيش اسرائيل حال استنفار بعد اغتيال شكر وهنية. وقد اتخذت سلسلة من الإجراءات الاحترازية في الداخل الاسرائيلي، واصدرت الاوامر بإخلاء القواعد غير القتالية في الشمال على مسافة 40 كيلومتراً من خط السياج.
وقالت صحيفة «يديعوت أحرونوت»: «بسبب التوترات في الشمال، وبناءً لتوجيهات الجبهة الداخلية، تمّ إيقاف العمل داخل مصنع في عكا لوجود خزانات تحتوي على غاز الأمونيا بداخله، كما صدرت تعليمات للمصانع الأخرى التي تستخدم مواد خطرة بتفريغ وإخلاء خزانات الغاز». فيما قالت هيئة البث الإسرائيلية: «ان إسرائيل تستعد لانتقام مشترك ينطلق من الأراضي الإيرانية واللبنانية وربما من اليمن». فيما قالت صحيفة «يديعوت أحرونوت»: إنّ إسرائيل تستعد لردّ مُحتمل مشترك بين حزب الله والحرس الثوري الإيراني. وقد يؤخّران الردّ من أجل الاستعداد بشكل شامل».
وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية: انّ 3 شركات طيران كبيرة في الولايات المتحدة وبريطانيا ألغت رحلاتها إلى إسرائيل. كما اعلنت شركتا «لوفتهانزا» الألمانية و«فلاي دبي» الاماراتية تعليق رحلاتهما إلى إسرائيل امس. وقال رئيس بلدية حيفا: «في أيام القتال نتوقع إطلاق 4000 صاروخ يومياً. وهذا دمار كبير».
وذكر موقع «واللا» العبري: «انّ الجيش الإسرائيلي ألغى إجازات الجنود في الوحدات القتالية ضمن حالة التأهب لردّ محتمل من إيران و»حزب الله». كذلك ومن ضمن اجراءات التحسّب للردّ، ذكرت القناة 12 الإسرائيلية: «أنّ رئيس الشاباك طلب من رئيس حكومة العدو والوزراء تخفيف التنقل والزيارات، وأوعز بالحصول مسبقاً على موافقته لكل جولة يقوم بها نتنياهو أو الوزراء، وطلب تشديد الحراسة عليهم».
وفي هذه الاثناء دعا مجلس الأمن القومي الإسرائيلي في بيان وزعه مكتب رئيس الوزراء، حاملي الجنسية الإسرائيلية إلى «توخّي الحذر الشديد عند السفر إلى الخارج». وقال «إنّ إيران أو حليفتيها حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) وجماعة «حزب الله» اللبنانية قد تستهدف مؤسسات إسرائيلية أو يهودية خارج البلاد»
وفي طهران، اعلن رئيس هيئة الأركان الإيرانية: «انّ الردّ حتميّ، ويجب اتخاذ إجراءات متعددة والكيان الصهيوني سيندم على فعلته». فيما نقلت وكالة «رويترز» عن مصادر قولها «انّ إيران وحلفاءها في المنطقة يجتمعون في طهران لمناقشة استراتيجية الردّ على إسرائيل».
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت لإذاعة الجيش الإسرائيلي، إنّ «اغتيال رئيس أركان «حزب الله» فؤاد شكر، هو أمر جيد ومفيد»، متسائلا «عمّا يمكن أن يمثل الاغتيال أي تغيير يُذكر في معادلة الحرب بين إسرائيل وبين حزب الله؟». وأكّد أنّه «لن يغيّر شيئاً من تلك المعادلة»، مضيفاً أنّ «فؤاد شكر لم يكن هدفاً واقعياً منذ اللحظة الأولى»، داعياً إلى «وقف الحرب في قطاع غزة والاستمرار بالمفاوضات لإطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين من حركة حماس».