لم يكن وضع جبهة الجنوب ولا حتى فشل آخر محاولات إبرام صفقة وقف اطلاق النار في غزة في اجتماعات روما، ينتظر سقوط الصاروخ في مدينة مجدل شمس (الدرزية) في الجولان المحتل، لكي تزداد الاوضاع تعقيداً وتدحرجاً نحو مزيد من التصعيد السياسي والعسكري، فالتوجّه الاسرائيلي منذ بداية «طوفان الأقصى» وانتقاله إلى جبهة الإسناد الجنوبية قائم على محاولة الردع وكسر الآخرين وإلغاء وجودهم.
جاء صاروخ مجدل شمس الذي نفى «حزب الله» مسؤوليته عن اطلاقه، «شحمة على فطيرة» للكيان الاسرائيلي، للتنصل اولاً من التزاماته المطلوبة دولياً حيال وضع غزة لجهة وقف النار ووقف ارتكاب المجازر بحق المدنيين وإدخال المساعدات على انواعها، وللتنصّل من اي اتفاق عسكري او حدودي حول جبهة الجنوب اللبناني لا يلبي مطالبه التعجيزية من لبنان.
وبغض النظر عمّن اطلق الصاروخ، بالقصد أم بالخطأ، من هذا الجانب او من ذاك، فإنّ نتائج ما حدث جاءت لتخدم خطط الكيان الاسرائيلي عبر استغلال الحادث المؤلم لفرض امر واقع جديد على كل الدول المشتغلة بمحاولات وقف التصعيد ومنع توسعه وامتداده الى كل المنطقة. ولكن ما تمّ تسريبه بعد دقائق من الحادث عبر وسائل التواصل من فيديوهات ومعلومات وأخبار، وعلى ألسنة بعض سكان المدينة، من انّ صاروخاً اعتراضياً سقط نتيجة فشل المنظومة، في ملعب كرة القدم خلال تصدّيه لقصف المقاومة اللبنانية لمواقعه ومرابض مدفعيته في الجولان، والتي اعلنت عنها المقاومة في بياناتها.(قصف معاليه غولان والزاعورة وسواها).
كما بدا مشهد طرد بنيامين نتنياهو وبعض وزرائه من مجدل شمس واضحاً، في رفض الاهالي استغلال الكيان الإسرائيلي للفاجعة، لتوجيه رسائل سياسية وعسكرية وتهديدات ونيات بالتصعيد سبق واطلقها، لكنه لم يجد الفرصة المناسبة لترجمتها، الى ان جاء الحدث – الحجة من الجولان، علماً انّ قصف مواقع العدو في الجولان قائم منذ اشهر ولم يغيّر في معادلات وقواعد الاشتباك بشيء.
وبدت ايضاً مما تسرّب، نقمة اهالي مجدل شمس على كيان الاحتلال، عبر تعبيرهم عن عدم اهتمامه بأوضاعهم لجهة تأمين الحمايات والخدمات الكافية بل وملاحقتهم وزجهم بالسجون، ولجهة رفضهم التعامل مع الكيان برفض منحهم الهويات الاسرائيلية، وصولاً الى رفض الكثيرين الخدمة في الجيش. حتى انّ بعض من دخل الجيش من الدروز كجندي احتياط خوفاً من الملاحقة والسجن، عبّر خلال تشييع ضحايا الصاروخ عن نقمته على جيش الاحتلال.
كل هذه العوامل الشعبية، مضافاً اليها التصدّي السياسي الدرزي من الجولان على لسان شيخ العقل يوسف جربوع بحديثه لـ «الجمهورية» امس، ومن لبنان على ألسنة القادة السياسيين الدروز في لبنان بشكل خاص، (وليد جنبلاط وطلال ارسلان وشيخ العقل سامي ابي المنى)، ومواقف الدول المعنية بوضع المنطقة الضاغطة بإتجاه منع التصعيد والردّ الواسع، ادّت الى استيعاب محاولات الاستغلال الاسرائيلي للحادث ثم الحدّ منها، وصولاً الى تراجع زخم التهديد الاسرائيلي وإقتصار التسريبات بوسائل الاعلام العبرية والاميركية عن طبيعة الردّ الاسرائيلي على معلومات مفادها انّه سيكون «رداً موضعياً عسكرياً ولو قاسياً ومؤذياً، وهو ما استعدت له المقاومة، كما احتسبت احتمالات الجنوح نحو ردّ اكبر، وأبلغت من يعنيهم الامر عبر قوات «اليونيفيل» والامم المتحدة، انّها ستردّ بما يتناسب مع حجم ونوع الاعتداء الاسرائيلي.
وفي السياق، أفادت معلومات اعلامية من داخل الكيان الاسرائيلي انّ التلويح بقصف منشآت حيوية لبنانية كالمطار والمرفأ والجسور والبنى التحتية، هو مجرّد تهويل اعلامي على لبنان وتخدير للداخل الاسرائيلي الناقم على ما وصلت اليه الامور من فشل في الجبهات.
ومع ذلك، بقيت كل السيناريوهات قائمة حول طبيعة الردّ الاسرائيلي «المدروس»، ربطاً بحسابات قادة اليمين الاسرائيلي الحاكم ورغباتهم المتوحشة لتغطية فشلهم. وفعلاً كان الردّ مساء امس «محسوباً ولكن مؤذياً» باستهداف مسؤول عسكري كبير في «حزب الله» عبر قصف مبنى يقطنه في حارة حريك، حيث قال الإعلام الاسرائيلي انّه «الرقم 2» العسكري في الحزب (مستشار الامين العام السيد حسن نصر الله)، لكنه بكل الحالات لن يمرّ من دون ردّ من الحزب بما يتناسب مع الحفاظ على نسق المواجهات القائم حالياً او ربما يتوسع قليلاً ايضاً اسوة بما قد تفعله اسرائيل، برغم ما اعلنه العدو مساءً من «انتهاء الضربات الجوية لبيروت».