سَعت روسيا، من خلال ترؤسها لمجلس الامن الدولي خلال شهر تموز الحالي، الى طرح رؤيتها وربما استراتيجيتها لمعالجة التوترات والمواجهات في الشرق الاوسط، ومحاولة إحياء عملية السلام التي دفنتها العدوانية الاسرائيلية، وهي استفادت من وجود وزير خارجيتها سيرغي لافروف في نيويورك لترؤس الاجتماعات الوزارية الجارية لمناقشة الوضع في الشرق الاوسط بما في ذلك القضية الفلسطينية، قبَيل انتهاء مدة ترؤسها لمجلس الامن الدولي.
بالتوازي مع لقاءات واتصالات لافروف في نيويورك، أوفدت موسكو الى دول المنطقة العربية المبعوث الخاص لوزير الخارجية فلاديمير سافرونكوف في جولةٍ شملت المملكة السعودية والامارات ولبنان وفلسطين المحتلة، واعلن من بيروت انّ مهمته تتعلق بعملية السلام في الشرق الاوسط وخفض التوترات داعياً لضبط النفس ومنع انفلات وضع الحدود الجنوبية.
واوضحت مصادر رسمية تابعت الزيارة انّ الموفد الروسي اكد ايضاً ضرورة إجراء الحوار الداخلي اللبناني من اجل تسهيل انتخاب رئيس للجمهورية لمواكبة تطورات المنطقة وترتيباتها اللاحقة، وذلك كَون روسيا عضواً في الرباعية الدولية التي تضمها الى جانب أميركا والإتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، التي يبدو انها عادت تتحرك بفعل الحرب في غزة بحثاً عن وقف اطلاق النار واجراء محادثات لوقف الحرب، ومن ثم إطلاق مسار السلام مجدداً عبر طرح حل الدولتين اذا أمكن تحقيقه، ولم تتعرض المحاولات الجديدة لعرقلة اسرائيلية او حتى اميركية إرضاءً للكيان الاسرائيلي.
وبحسب المعلومات المتوافرة من مصادر دبلوماسية متابعة في بيروت للحركة الروسية المستجدة في الشرق الاوسط، فإنّ موسكو تسعى لمشاركة فاعلة لا هامشية في هذه المساعي، ولن تترك الادارة الاميركية الحالية ولا الجديدة لاحقاً تتفرّد بالحل اذا حصل لترتيب اوضاع المنطقة، الذي قد يكون على حساب مصالحها ليس في المنطقة فقط بل في شرقي البحر المتوسط وعلى حساب مصالح حلفائها من العرب، لا سيما سوريا.
وتقول مصادر دبلوماسية اخرى في نيويورك تتابع اعمال مجلس الامن لـ»الجمهورية»: انّ موسكو ركزت في اتصالات ولقاءات لافروف ومندوبها في المنظمة الدولية على امرين: الاول تعزيز دورها في الشرق الاوسط في هذه المرحلة الخطيرة والحساسة التي تشهد متغيرات دراماتيكية جيو- سياسية وعسكرية لتكون شريكاً كاملاً في اي تسويات مؤقتة او حلول دائمة بما يضمن مصالحها بالدرجة الاولى. والامر الثاني، إظهار وتثبيت «ازدواجية المعايير» التي تتّبعها الادارات الاميركية في التعاطي مع قضايا العالم، وبخاصة قضية الشرق الاوسط، بحيث تعطي هذا الطرف هنا وتأخذ من طرف آخر أو تضغط عليه هناك، وتطرح فكرة هنا وفكرة اخرى هناك.
إشارة هنا لا بد منها لتأكيد معلومات المصادر، الى انّ وزير الخارجية الروسية اكد «أن الولايات المتحدة تسعى إلى فرض حقيقة أن الفلسطينيين لن يحصلوا على أي دولة، وبدلاً من ذلك، ستخلق واشنطن صورة جميلة لنفسها من دون تغيير الوضع الراهن»، وهي اشارة الى انّ روسيا ترى ان الادارة الاميركية ما زالت تمارس نفس السياسات وازدواجية المعايير، التي أدت الى نسف كل جهود السلام عبر دعمها المطلق وغير المحدود للكيان الاسرائيلي.
لكن من جانب آخر، تؤكد المصادر الدبلوماسية في نيويورك ان معركة روسيا واميركا واوروبا الحقيقية الآن هي في اوكرانيا، ومعركة تثبيت الوجود الروسي في الشرق الاوسط هي «معركة إسناد» لتأكيد الحضور في كل الساحات وفي كل التسويات. ولكن الارجح انّ شيئاً لن يتبدل بين ليلة وضحاها، فالروسي ينتظر كغيره نتائج الانتخابات الرئاسية الاميركية وبرنامج الادارة الجديدة اذا تضمن تغييراً او جديداً مختلفاً عن ادارة الرئيس جو بايدن، لذلك لا تترقب المصادر اي تغيير فعلي في وضع الشرق الاوسط قبل بداية العام المقبل، وللأسف يبدو ان وضع لبنان السياسي والرئاسي والعسكري في الجنوب سيبقى معلّقاً على حبال اوضاع المنطقة حتى العام المقبل ما لم تحصل مفاجآت كبرى غير متوقعة.