تواجه حكومة الرئيس نجيب ميقاتي ملفات اكبر واعقد وأهم من ان تتصدى لها حكومة تصريف اعمال، نظراً للظروف الدستورية والادارية والمالية والامنية، والخلافات والانقسامات السياسية التي تحيط بها، وتعذّر انتخاب رئيس للجمهورية، وانشغال العالم كله عن لبنان بالحروب والمواجهات القائمة، وبالانتخابات الرئاسية او التشريعية، التي ستنتج عنها تغييرات في السياسة الاقليمية والدولية ستؤثر حتماً على لبنان.
لم يعد الرئيس نجيب ميقاتي مرتاحاً كما كان في الاسابيع الاولى للشغور الرئاسي، إذ كان يظن ان انتخاب رئيس جديد لن يطول اكثر من المعتاد، لكن الازمة الرئاسية طالت كثيراً وها هي تقارب السنتين، والازمة السياسية تعمّقت اكثر بسبب الخلافات السياسية المصطنع بعضها والكيدي بعضها الآخر، والازمة المالية والاقتصادية والمعيشية والصحية والتربوية – التعليمية استفحلت، بحيث لم يعد بمقدور الحكومة تلبية مطالب كل شرائح المجتمع والطبقات المتوسطة والفقيرة، ولا معالجة مشكلات المؤسسات التعليمية والصحية الرسمية، ولا موضوع الفيول لمعامل انتاج الكهرباء. عدا عن عجز الحكومة عن معالجة ملف النازحين السوريين لأكثر من سبب سياسي ومالي واداري وإجرائي. اضافة الى ازمة استخراج النفط والغاز من البحر والمُعلّقة على وعود كاذبة من شركة «توتال» لأسباب سياسية محضة. والى الازمة التي تعصف بالجسم القضائي. فيما ظروف حرب غزة ومواجهات الجنوب فرضت اعباءً اضافية سياسية وامنية ومالية واجتماعية على الحكومة.
لعل اسوأ ما يواجه الحكومة مقاطعة العديد من الوزراء لجلساتها بحجة انها حكومة تصريف اعمال ولا يجب ان تتخذ اي قرارات مهمة في غياب رئيس الجمهورية، برغم حاجتهم الى مراسيم وقرارات تتعلق بتسيير أعمال وزاراتهم، وهو امر يحمل الشيء ونقيضه، فمن جهة لا يحضر الوزراء لكنهم يرسلون طلباتهم الى الامانة العامة لمجلس لوزراء لإدراجها على جداول اعمال الجلسات واقرارها، ولكنهم لا يحضرون لمناقشة اسبابها وتعليل الموافقة عليها. وباتت الحكومة تستجدي الدول العربية لدعم الجيش والقوى الامنية الاخرى، ولتأخير دفع مستحقات الفيول، وعاجزة عن بت ملف تعيين واحد في اي ادارة مدنية وغير مدنية إلّا «بطلوع الروح» وبعد استرضاء هذا الطرف السياسي وذاك وبعد اقامة توازن سياسي وطائفي. وتعجز احياناً عن حل مشكلة تقنية او ادارية في مطار بيروت فيتوقف العمل فيه ساعات كما حصل مراراً، كما تعجز عن ملاحقة المحتكرين والمتلاعبين بأسعار المواد الغذائية والاستهلاكية بحجة عدم توافر موظفين في مصلحة حماية المستهلك. وتعجز عن معالجة طوفان الشوارع نتيجة الامطار… الى غيرها من ازمات ومشكلات يومية.
وبما ان الازمة الرئاسية طويلة على ما يبدو، وبإعتراف اصحاب المبادرات الداخلية والخارجية، وبما ان مجلس النواب شبه معطّل لولا اجتماعات بعض اللجان النيابية وبعض جلسات تشريع الضرورة التي تعقد غبّ الطلب السياسي والشعبوي، فقد بات لزاماً على رئيس الحكومة والقوى السياسية الداعمة وغير الداعمة لها، البحث عن إجراء آخر سياسي او اداري او حتى دستوري وسيادي، لحل الازمات الخطيرة المعلقة على حبل الخلافات السياسية، المانعة لإنتخاب رئيس الجمهورية، والمانعة لحل ازمة النازحين، والمانعة لحل ازمة استخراج النفط والغاز من البحر، والمانعة لتفعيل العمل الحكومي اكثر، والمانعة لوقف التلاعب بالاسعار من المحتكرين المحميين سياسيا وطائفيا ومذهبيا، والمانعة لتفعيل عمل السلطة القضائية. وطبعاً لا تتحمل الحكومة وحدها مسؤولية هذا الوضع القائم والذي يهدد بانهيار البلد نهائياً، بل المسؤولية شراكة بين كل القوى السياسية التي أوصلت البلاد الى هذه الكارثة، عدا عن الظروف الخارجية الضاغطة.
لم يعد الكلام المعسول او الوعود العرقوبية او تبادل إلقاء المسؤوليات يفيد في حل اي ازمة. فإمّا سلطة تشريعية وتنفيذية تتخذ قرارات وإجراءات انقاذية سيادية واما على البلاد والعباد والسلطة والكيان السلام. فلا يجوز الاستسلام امام الظروف الضاغطة داخلياً وخارجياً، اللهم اذا هناك رجال دولة حقيقيين، فالأزمات الكبرى بحاجة الى رجال دولة كبار ومتجردين عن الخصوصيات والحسابات الصغيرة.