أعلنت قوى المعارضة على ما يبدو «استسلامها» للأمر الواقع، لجهة تعذّر إنجاح مبادرتها الجديدة ذات الاقتراحين الجديدين – القديمين حول آليات جلسات التشاور لإنتخاب رئيس للجمهورية، ويبدو انّها اوقفت تحرّكها عند الكتل التي زارتها لطرح «خريطة طريقها» لا خريطة طريق متفقاً عليها بين اغلب الكتل، ولن تلتقي كتلتي «التنمية والتحرير» و»الوفاء للمقاومة» على ما قالت مصادرها، لأنّ كتلتي الثنائي الشيعي حدّدتا موقفهما مسبقاً من المبادرة فسقطت.
لا تخفي مصادر نيابية في المعارضة قناعتها انّ الوقت الحالي ليس مهيئاً وناضجاً لطرح مبادرات فعلية وجدّية مقبولة لإنتخاب رئيس للجمهورية، لأنّ وضع منطقة الشرق الاوسط ومن ضمنه لبنان، دخل مرحلة ترتيب اوضاع جديدة وربما خرائط وأنظمة حكم جديدة، وثمة من يقول ترتيب حدود جديدة لبعض الدول، وترى انّ كل الاطراف الداخلية في لبنان تنتظر ما ستتمخض عنه التسويات والاتفاقيات الجديدة، ليتبين اي رئيس تحتاجه المرحلة الجديدة واي صفات وقناعات له تناسب المرحلة المقبلة، لذلك اصطفت المعارضة في الطابور بإنتظار رسم خريطة طريق وضع المنطقة، لا تنفيذ خريطة طريقها التي طرحتها لإنتخاب الرئيس. وهي باتت مقتنعة انّها لا يمكن ان توفّر اغلبية نيابية لتمرير مبادرتها نظراً لعدم وجود عامل دفع جديد فيها لا داخلي ولا خارجي.
وتقول مصادر في المعارضة النيابية لـ«الجمهورية»: انّ الترتيب الجديد لوضع المنطقة يستدعي انتخاب رئيس لبناني يشبه المرحلة المقبلة لا المرحلة الحالية التي يمرّ فيها لبنان ودول المنطقة. لذلك كل ما يجري هو لعب في الوقت الضائع. ونحن سجّلنا موقفنا ليس إلّا بإنتظار الانتهاء من رسم خريطة طريق المنطقة.
كذلك بدا انّ الدول المعنية بوضع المنطقة ولبنان لم تعد تمارس نفس الاندفاعة والزخم لتسريع انتخاب رئيس، طالما انّ ملامح التسويات والاتفاقيات والخرائط الجديدة لم تتبلور بعد. وما يجري على صعيد ترقّب انعكاس نتائج الانتخابات الاوروبية والايرانية ولاحقاً الاميركية على وضع الشرق الاوسط، يدل إلى انّ لا شيء محسوماً حتى الآن، وانّ بداية ظهور طرف الخيط الابيض ستكون من غزة ثم من جنوب لبنان ولاحقاً من سوريا والعراق واليمن، ما لم تكن للإدارة الاميركية الجديدة و»دولتها العميقة» صاحبة القرار الفعلي برامج وخطط اخرى.
لكن أي ترتيب جديد للمنطقة لم يعد ممكناً فرضه بالحديد والنار واستعراضات القوة من حاملات طائرات وغواصات وتعبئة جنود وغيرها من مظاهر الحرب او الاستعداد لها، فما يجري في غزة وجنوب لبنان أظهر للعالم انّ الحروب لفرض الحلول لا تؤدي الى حلول، بل الى مزيد من التأزّم وضياع فرص تحقيق السلام. لذلك يجري البحث عن مخارج للحلول عبر المفاوضات في أجواء هادئة لا تعكرها اصوات القنابل والصواريخ. لكن يبدو انّ الكيان الاسرائيلي وحكومته المتهورة المتطرّفة هو من يعرقل الحلول، لأنّ اي حل سيكون على حساب خروجها من الحياة السياسية. فالمطلوب في زمن التحضير للسلم حكومات تسووية لا «حربجية».
وتبقى المشكلة في الاجابة عن هذا السؤال: هل تريد الدولة الاميركية العميقة فعلاً وضع حدّ لجنون حكومة اسرائيل وتهديدها الدائم للإستقرار في الشرق الاوسط؟