إذا تم الاتفاق على الهدنة بين إسرائيل و»حماس» في غزة، فهل سينعكس ذلك هدنة موازية بين إسرائيل و»حزب الله» في الجنوب؟ وهل يوافق «الحزب» على تطوير أي هدنة لتصبح اتفاقاً على الترتيبات الأمنية، أو حتى على ترسيم الحدود البرية؟
أيّاً تكن المبررات، لن ينهي بنيامين نتنياهو حرب غزة قبل أن يحقق الأهداف التي رسمها الإسرائيليون، أي السيطرة على القطاع وإنهاء سلطة «حماس»، ولو استغرق الأمر سنوات. لكنه، في الوقت المستقطع، لن يرى ضرراً في هدنةٍ تتيح إطلاق الرهائن، فيرتاح من ضغوط الشارع. وبعدها يعود إلى الحرب من دون أعباء داخلية.
المكسب الذي حققه نتنياهو في المفاوضات مع «حماس» حتى الآن يكمن في تراجعها عن أحد شروطها الأساسية، وموافقتها للمرة الأولى على إتمام عملية تبادل الأسرى والرهائن، من دون أن يكون وَقف النار نهائياً ودائماً. وهذا الأمر يناسب نتنياهو، لأنه يسمح له باستئناف الحرب بلا ضوابط، بعد العملية.
لكنّ «حماس» لم تتنازل عن هذا الشرط مجاناً. فهي تريد الهدنة وعملية التبادل لالتقاط الأنفاس وإعادة بناء القدرات في مناطق عدة من القطاع. ولذلك، هي تراهن على برمجة عملية التبادل على مدى أشهر. وفي المقابل، يعمل الإسرائيليون لتضمين اتفاق الهدنة بنوداً تمنع «حماس» من التمدد مجدداً نحو الشمال والحصول على أسلحة وذخائر جديدة عبر الأنفاق. وهذه هي النقطة الحساسة في المفاوضات الجارية في قطر حالياً، إذ يريد كل طرف استغلال الاتفاق ليصبح بعده في وضعية عسكرية أفضل.
وستشكّل الهدنة التي يتم إعدادها فرصة لنتنياهو لكي يمرّر المرحلة القصيرة المتبقية من عهد جو بايدن، بأقل ما يمكن من خسائر. وعندما يصل دونالد ترامب إلى الحكم، يصبح البيت الأبيض مستعداً للموافقة على أي سيناريو يريده نتنياهو ورفاقه في اليمين واليمين المتطرف. واليوم، تبدو غالبية القوى السياسية في إسرائيل داعمة لصفقة التبادل والهدنة لدواعٍ مختلفة. وربما نتنياهو نفسه يؤيدها في سياق كسب الوقت، لكنه يتجنّب المجاهرة بذلك الآن، لئلا يُغضِب رفيقيه المتطرفين سموتريتش وبن غفير اللذين يؤيدان استمرار الحرب بشراسة حتى النهاية، فينسحبان من الحكومة وتسقط.
التصوّر الأقرب هو أن نتنياهو سيُبقي الهدنة عالقة حتى سفره إلى واشنطن، حيث سيلقي خطابه أمام الكونغرس في 24 من الجاري، ويلتقي بايدن الواقع حالياً في مأزق انتخابي خانق، نتيجة إخفاقه في المناظرة الأولى مع ترامب، وبسبب تصاعد الأصوات من داخل حزبه الديموقراطي التي تدعوه إلى التنحّي. وإحدى النقاط الأساسية التي استغلها ترامب ضد بايدن في المناظرة، «اتهامه» بمراعاة الفلسطينيين على حساب إسرائيل.
خلال زيارة نتنياهو لواشنطن، سيبذل بايدن كل جهد ليُظهر مقدار دعمه لإسرائيل. وهذا ما سيسمح لرئيس الوزراء الإسرائيلي بطلب مزيد من المساعدات والتغطية السياسية، في غزة كما في لبنان.
انطلاقاً من مفهوم وحدة الساحات، سيقرر «حزب الله» ما سيفعله في الجنوب، إذا تم الاتفاق على هدنة في غزة. ويعتقد بعض الخبراء أن «الحزب» سيعتمد قاعدة التوازن بين غزة ولبنان. فإذا تم التوصل إلى اتفاق هدنة هناك، سيعتمد «الحزب» هدنة مماثلة هنا. ولكن، بالتأكيد، إذا خرق الإسرائيليون الهدنة واستأنفوا القتال ضد «حماس» في غزة، فإن «الحزب» سيعود إلى حرب المُشاغَلة في الجنوب.
وعلى العكس، إذا نجح وقف النار في غزة، وتم تطويره لاحقاً إلى تفاهم على الترتيبات الميدانية، فإن المناخ سيكون مناسباً في لبنان لإبرام اتفاق على ترتيبات، يتم إرساؤه على منطوق القرار 1701، الذي ينص على ابتعاد مقاتلي «حزب الله» إلى ما وراء الليطاني، أو يتم إرساؤه على اتفاق جديد يتم التوصل إليه من خلال المفاوضات.
منطقياً، إصرار «حزب الله» على الربط بين الجنوب وغزة في حال الحرب، يستتبع أيضاً الربط بينهما في حال الهدنة أو في حال الاتفاق على الترتيبات الأمنية. وهذا الأمر يعرفه الإسرائيليون، وكذلك الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين. ولذلك، هو يطالب نتنياهو بتحقيق خطوة ما في غزة، إذا كان يريد نجاح أي اتفاق مع لبنان.
في بعض الأوساط الديبلوماسية، يسود اعتقاد أنّ مسارعة «حماس» إلى تسهيل الاتفاق في غزة، وتالياً تسهيل الاتفاق بين إسرائيل ولبنان، هي محاولة من طهران للاستفادة من الأشهر القليلة المتبقية من عهد بايدن، لإنجاز اتفاقات في أفضل شروط، قبل وصول ترامب.
لكن نتنياهو يتحرك بخلاف هذا الاتجاه. فهو يضيع الوقت ويرفض إبرام أي تسوية في غزة أو في لبنان قبل رحيل بايدن. وهذا الواقع يدركه الرئيس الأميركي. ولذلك، هو سيبذل الجهود ويقدم الإغراءات لدفع إسرائيل إلى تسوية سريعة في غزة ولبنان. وهوكشتاين جاهز لهذه المهمة. إلا ان المطلعين يشككون في نجاح هذه المساعي، ويعتقدون أن نتنياهو ورفاقه في حكومة اليمين واليمين المتطرف سيمررون الوقت حتى عودة «الكاوبوي» الذي يتوقعون منه دعم إسرائيل بلا حدود، كما فعل في ولايته السابقة.