طغت المخاوف من احتمال اندلاع حرب شاملة بين الكيان الاسرائيلي و»حزب الله» على الأجندة الداخلية في الآونة الأخيرة، بحيث حجب دخان المواجهة على الجبهة الجنوبية الملف الرئاسي الذي تدحرج الى «الطابق السفلي» من هذه الأجندة، بعدما أخفقت كل المبادرات في معالجته.
هكذا، انطفأت شمعة المبادرات والمساعي المحلية التي حاول البعض إضاءتها بدل الاكتفاء بلعن ظلام الشغور، وعاد الجميع الى انتظار ما يمكن أن ينتج من «الرصيف العائم» السياسي الذي أنشأته اللجنة الخماسية لإيصال «المعونة» في إنجاز الاستحقاق الرئاسي إلى الداخل اللبناني المبعثر.
ولكن المفارقة، انّ الموج السياسي اللبناني غمر هذا «الرصيف الديبلوماسي» الذي بدت أجزاؤه هشة ومترنحة تحت وطأة الطقس السياسي العاصف الذي يسود البلد، ما دفع أعضاء اللجنة الى الإنكفاء أخيراً وترك الساحة لبعض «التسالي» المحلية، في انتظار اي تطور يمكن أن يعيد خلط الأوراق ويسمح لـ«الخماسية» بتفعيل دورها مجدداً.
وبينما حاول سفراء الدول الخمس (أميركا، فرنسا، السعودية، مصر، قطر) خلال الفترة الماضية فصل الانتخابات الرئاسية عن حرب غزة والجنوب، يبدو أنّ بعضهم بات على اقتناع ضمني بأنّ قطاع غزة هو الناخب الأكبر في الاستحقاق الرئاسي، بفعل دينامية معادلات الجغرافيا السياسية وتضاريسها المتداخلة، بمعزل عمّا إذا كان هذا الربط مقصوداً في حدّ ذاته ام لا.
واللافت انّ استمرار الشغور في قصر بعبدا يترافق مع موسم انتخابات رئاسية وبرلمانية في إيران وبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة، ما يؤشر إلى «فرادة» النظام السياسي اللبناني، بالمعنى السلبي، نتيجة ما يعانيه من قصور وعقم يفرضان دائماً الاستعانة بالخارج لنسج التسويات.
وإزاء استعصاء المعالجات للمأزق الرئاسي، تؤكّد شخصية نيابية على تماس مع المبادرات واصحابها، بأنّها ازدادت اقتناعاً بأنّ المجلس النيابي الحالي ليس قادراً على انتخاب رئيس الجمهورية.
وتلفت الشخصية الى انّ الموزاييك النيابي الذي افرزته انتخابات عام 2022 هو شديد التعقيد، بحيث انّ المجلس لم يعد ينقسم إلى فريقين وفق ما كانت عليه الحال ايام الفرز بين 8 و 14 آذار على سبيل المثال، وانما أصبح موزعاً الى مجموعة اقليات متنافرة، بل وصل الأمر إلى درجة تجزئة المجزأ وتفتيت المفتت، كما حصل مع بعض الكتل الصغيرة التي انقسمت على نفسها وانسحب منها نواب، حتى كاد كل اثنين يشكّلان كتلة منفصلة.
وتشير الشخصية إياها الى انّ تشظّي المجلس على هذا النحو يُصعّب كثيراً إمكان نجاحه في انتخاب الرئيس بقوة دفع ذاتية، وبالتالي فإنّ المخرج الوحيد يكمن في فرض تسوية عابرة للحدود، لكن المشكلة انّ الخارج بدوره غير قادر على ذلك حتى الآن، لأنّه ليس متفقاً بعد على مقاربة تفصيلية للحل، تكون ابعد من التقاطع حول خطوط عريضة قابلة للتأويل.
وتعتبر تلك الشخصية النيابية، انّه لو لم تكن هناك حرب في غزة والجنوب لكان من الواجب الدعوة إلى انتخابات نيابية مبكرة بعد تعديل قانون الانتخاب الحالي لكسر التوازن السلبي الذي يحكم المجلس والإفلات من عنق الزجاجة.
وتبدي الشخصية خشيتها من ان يكون البعض في الداخل يراهن على حصول حرب اسرائيلية واسعة ضدّ «حزب الله» لتجاوز معضلة التوازن السلبي وتغيير المعادلة الداخلية في الاتجاه الذي يمنحها فرصة الإتيان برئيس يناسبها، على غرار تجربة عام 1982، وكأنّها لم تتعلم من دروس تلك التجربة.