عادت العلاقات الى صفائها الرسمي بين لبنان وقبرص، بعد الإلتباسات التي رافقت المعلومات عن تدريبات عسكرية لجيش العدو الاسرائيلي في قواعد عسكرية في قبرص تُحاكي هجوماً على لبنان، تنصّلت منها سلطات الجزيرة الجارة والصديقة للبنان، لكن من دون ان تزيل المخاوف اللبنانية من «توريط» اسرائيل لقبرص في اي عمل عسكري ضد لبنان في حال أقدمت حكومة الكيان الاسرائيلي عليه من القواعد غير القبرصية.
أثمرت الاتصالات بين لبنان وقبرص على أعلى مستويات رئاسية ودبلوماسية، واخيراً برلمانية بلقاء رئيس لجنة الشؤون الخارجية والمغتربين النيابية النائب فادي علامة وسفيرة قبرص في لبنان ماريا هادجيثيو دوسيو، عن تصفية ذيول ما جرى، وبحسب ما قال علامة لـ»الجمهورية»: فإنّ السفيرة اكدت مواقف رئيس الدولة القبرصية في اتصاله بالرئيس نجيب ميقاتي ووزير الخارجية في اتصاله بنظيره اللبناني عبد الله بو حبيب، بأنّ قبرص ترفض استخدام اراضيها التي تملك السيادة عليها لشن أي اعتداء على اي بلد وليس لبنان فقط. وقبرص تدرك حساسية وضعها السياسي والجغرافي والديموغرافي منذ تقسيم الجزيرة إثر الدخل التركي فيها، ووجود قواعد بريطانية على اراضيها، لكنها لا تدّخِر جهداً من اجل تأكيد علاقة حسن الجوار مع لبنان وتأكيد حيادها حيال ما يجري من حروب ومواجهات عسكرية في المنطقة وشرقي المتوسط.
ويؤكد علامة ضاحكاً رداً على سؤال: ان «الصلحة حاصلة مسبقاً» بين لبنان وقبرص، لأن الطرفين يعتبران ان لا مشكلة بينهما أصلاً، وان ما حصل كان فقط لتوضيح المواقف – الثوابت من بعض التطورات التفصيلية في ضوء ما يجري في المنطقة.
لكنّ بعض المتابعين للوضع القبرصي يلاحظون عدة مشكلات تواجه الجزيرة الصغيرة الواقعة بين «نيران صديقة» تأتيها من هنا وهناك. فنصف الجزيرة تقريباً مُحتلّ من تركيا، وثمة مناطق تتواجد فيها القواعد البريطانية لا يسمح لأي احد بدخولها حتى للمواطن القبرصي إلّا بتأشيرة دخول بريطانية كونها أراضٍ غير خاصعة للسيادة القبرصية، خاصة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي.
ويضيف المتابعون: هناك سباق محموم بين مستثمرين لبنانيين واسرائيليين على ارض قبرص بخاصة في مجال العقارات، نتيجة التسهيلات المعطاة للمستثمرين. مشيرين الى استثمارات اسرائيلية كبيرة جداً مؤخراً بعدما بدأ اللبناني على صعيد شخصي بالتملّك والاستثمار الضيّق بداية التسعينات ثم توسّع لاحقاً الى مشاريع اكبر. ومشكلة قبرص انها لا تستطيع رفض لا المستثمر اللبناني ولا المستثمر الاسرائيلي لأنها مرتبطة بعلاقات قوية مع لبنان ومع الكيان الاسرائيلي عدا انتسابها للإتحاد الاوروبي، الذي يتخذ مواقف مؤيدة وداعمة للكيان الاسرائيلي بشكل عملي مادي وعسكري وسياسي، أكثر مما هو داعم للبنان.
ويقول المتابعون: انّ الاسرائيلي لحق باللبناني ليحاربه في كل العالم. من اوروبا الى افريقيا مروراً بالأميركيتين الشمالية والجنوبية، فمن الطبيعي أن يلحقه الى المكان الاقرب قبرص ليُزاحمه في كل الامور السياسية والاقتصادية والمالية، عدا اتخاذه قبرص «مكاناً اميناً» في حروبه على المستويات السياسية والاقتصادية… وحتى العسكرية. لذلك يرى المتابعون انّ قبرص عملياً هي في وضع لا تُحسد عليه كثيراً كونها واقعة بين «النيران الصديقة» من كل ميل.
لذلك، في حال قرّر الاسرائيلي في لحظة جنون استخدام قبرص في أي حركة عسكرية ضد لبنان كبيرة كانت ام صغيرة، لا يمكن لقبرص إلّا ان ترفض وتحتجّ لكن عملياً لن يكون بيدها حيلة. لكن لبنان مطمئنّ الى ان لا قبرص ولا بريطانيا، ولا الولايات المتحدة الاميركية بالطبع، ستسمح للإسرائيلي بتوسيع الحرب من غزة الى لبنان لتشمل دول الجوار ومنها قبرص الاوروبية، فبذلك تكون المنطقة قد دخلت في المحظور الدولي الذي لن تتسامح وتقبل به الدول، وهو ما تعرفه اسرائيل قبل غيرها وتعرف نتائجه وانعكاساته على اكبر وأهمّ حلفائها قبل ان تعرف انعكاساته المدمّرة عليها عسكرياً وسياسياً.