لا ينفكّ الموفدون إلى لبنان والمسؤولون الدوليون، يبدون القلق على لبنان من توسّع حرب غزة ومواجهات الجنوب، وتأخير إنجاز الاستحقاق الرئاسي، لكن من دون تقديم اي إجراء حقيقي يساعد في حلّ المسألتين. وبقيت زيارات الموفدين واتصالات رؤساء الحكومات ووزراء الخارجية والمسؤولين الدوليين في اطار إبداء القلق والتمنيات بعدم دفع الامور نحو المواجهات الكبرى عسكرياً.
لم تقدّم وزيرة خارجية المانيا في لبنان ما يفيد مهمّتها فيه لجهة تبريد جبهة الجنوب، ولعلّها لم تقدّم في جولتها في دول المنطقة ايضاً ما يفيد التهدئة، ولم تُبرّد اتصالات وزيري خارجية بريطانيا والنمسا وغيرهما برئيس الحكومة، حماوة جبهة الجنوب، ولم تُفِد زيارة الامين العام المساعد لجامعة الدول العربية السفير حسام زكي في تقديم الحلول للمعضلتين، بل لعلّ زوار لبنان لمسوا استعصاءً ليس على جبهة الجنوب وحسب، بل «الجبهة الرئاسية» ايضاً نتيجة «المتاريس» القائمة والتقاصف السياسي بين مواقع القوى السياسية المحلية.
وقبيل مغادرته بيروت، التقى أمين سرّ دولة الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين، عدداً من الشخصيات السياسية في السفارة البابوية، من بينها، رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية، عضو «كتلة تجدد» ميشال معوض، النائب سامي الجميل، والنائب السابق الدكتور فارس سعيد.
كما التقى الرئيس فؤاد السنيورة على رأس وفد من «لجنة متابعة تنفيذ إعلانات الأزهر ووثيقة الأخوة الإنسانية». وحسب بيان لمكتب السنيورة، اكّد الموفد البابوي للوفد «تمسّك الفاتيكان والحبر الأعظم بدور لبنان الرسالة وبكونه بلد التسامح والعيش المشترك، وأهمية المثابرة على دعم لبنان لكي يستمر في تأديته لرسالته لأبنائه وكذلك في محيطه والعالم».
وقال الرئيس السنيورة لـ«الجمهورية»: «انّ الوفد سلّم الكاردينال وثيقة عرضت رؤيتنا لكيفية استمرار لبنان بلداً للعيش المشترك، في وقت تخلّت دول كثيرة عن هذه الفكرة وذهبت نحو التشدّد، ولكيفية عدم انحراف لبنان نحو دعوات الفيدرالية والتقسيم والانقسام وما إلى ذلك. كما ركّزنا على انّه على البعض ألّا يكون مهجوساً بالعدد. فمشكلة العدد في لبنان ديموغرافية لا حلّ لها، إنما يجب ان يكون مهجوساً بالدور الأساسي والفعّال في البلد، والأخوة المسيحيون قادرون على ذلك».
أضاف السنيورة: «استمع الكاردينال بإنصات وتركيز، وأيّد ما قلناه لجهة الحفاظ على لبنان بلد التنوع والعيش الواحد، واكّد لنا انّ الفاتيكان يواصل العمل والضغط من اجل عدم انجرار لبنان إلى حرب واسعة، ليبقى بلداّ متماسكاً موحّداً قائماً على مبدأ العيش المشترك.
واوضح السنيورة، انّه استشفّ من الحديث، انّ موضوع رئاسة الجمهورية غير ناضج وغير جاهز بعد بسبب الانقسامات القائمة، وان لا حلول سريعة للمواجهات في جبهة الجنوب.
لكن المشكلة التي تحكم كل الوفود انّهم يأتون في موضوع مواجهات الجنوب إلى المكان الغلط، ويطرحون الافكار على من يقوم بردّة الفعل لا الفعل، وانّهم يروّجون لما يريح الكيان الاسرائيلي ويُخفّف عنه الأعباء، ولا يهتمون سوى ببعض التفاصيل التقنية البسيطة او الصغيرة إن صح التعبير، بما لا يفيد لبنان، كمثل تعهّد إسرائيل بعدم خرق القرار 1701 او تخفيف خرقه، كأن تقوم طائراتها الحربية بالتحليق على علو مرتفع ولا تخرق جدارالصوت، عدا عن إمكانية البحث بمعالجة التحفظات اللبنانية على النقاط الحدودية التي لا زالت تحتلها اسرائيل او موضوعة ضمن الخط الازرق، بما يعني انّها ليست تحت سيادة الدولة اللبنانية. فيما بقي البتّ بوضع مزارع شبعا وتلال كفر شوبا المحتلة منذ العام 1968 مُعلّقاً على رغبات ومصالح إسرائيل لا لبنان. ناهيك عن الوعود بحفر آبار النفط والغاز في بحر لبنان، الذي تلكأت عنه شركة «توتال» الفرنسية، «لأسباب سياسية»، كما قال اكثرمن مرّة وزير الطاقة والمياه وليد فياض، وخلفيتها الحقيقية الضغط على لبنان للخضوع لمطالب كيان الاحتلال في ما خصّ وضع جبهة الجنوب، ومطالب لبنان في أي مفاوضات حدودية.
اما المكان الصحيح فهو التوجّه بكل الضغوط والإجراءات اللازمة نحو الكيان الاسرائيلي لوقف مذبحة القرن في غزة، ووقف استهداف المدنيين والأحياء السكينة في الجنوب والبقاع، فهذا هو المكان الصح لوقف حروب اسرائيل ومنعها من تصعيد الموقف نحو حرب إقليمية كبيرة، تقول دول الغرب انّها لا تريدها ولكنها تدعم إسرائيل في التحضير لها بكل الدعم السياسي والعسكري.