لم يشهد لبنان، حسب المتابعين لمسار “الجمهورية الثانية”، وضعاً صعباً وغامضاً وضبابياَ كالذي يشهده في هذه الأيام، وذلك عقب انتهاء ولاية رئيس الجمهورية العماد ميسال ميشال عون وشغور سدة الرئاسة وعدم تمكن مجلس النواب من انتخاب رئيس جديد للجمهورية .
“الجمهورية الثانية” “في خطر”،”في انتظار الفوضى”،”زوال الكيان”،أهلاً وسهلاً في جهنم”. تعليقات مختلف وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي تلاقي تعابير المواطنيين العاديين. وهي تترجم كلها القلق المتصاعد من خطورة مستقبل الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى الأمنية على وقع العدوان الصهيوني على جنوب لبنان وتصاعد التهديدات الاسرائيلية المتكررة بتوسيع دائرة الحرب على لبنان.
إن حالة “الغضب” من عدم انتخاب رئيسٍ للبلاد في ظل حكومة تصريف اعمال ،والهجوم على سلاح المقاومة ووصفه ب “اللاشرعي ” وغيرها من القضايا الكيانية الأخرى عكست حالة من القلق عند بعض الاحزاب المسيحية في لبنان كما شكلت المحرك الأبرز لاطلاق بعض الدعوات الداخلية “لحياد”لبنان واعتماد الفيدرالية او النظام الاتحادي، وبالتالي الأنتقال من مأزق الأكثرية النيابية المفقودة لانتخاب رئيسٍ للجمهورية إلى أزمة نظام برلماني (تدخل البلاد في “فوضى مؤسساتية” مع خطورة انتقالها إلى الشارع) تضع مصير “جمهورية الطائف”على المحك وتلقي بظلالها على ديمومة الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي عرفه لبنان قبل اندلاع الانتفاضة الشعبية في 17 اكتوبر/ تشرين الأول2019.
يرفض “حزب الله” فك الارتباط ما بين الحرب على غزة وحرب الإسناد التي يخوضها جنوباً منذ 8 أكتوبر /تشرين الأول 2023، وهو بذلك يقطع الطريق على أي تسوية حدودية مرتبطة بالتوافق على تطبيق القرار الأممي 1701 رغم عروض أميركية وفرنسية فيها بعض الجوانب المغرية داخلياً، ولكنَّ إصراره المتكرر ربط الهدنة جنوباً بهدنة في غزة إضافةً إلى رفض العروض التي يحملها المبعوثون الدوليون إلى بيروت، كلها مرهونة بنضوج تفاهم إيراني- أميركي دائم أو مؤقت يجري التفاوض عليه على الأرجح في مسقط، هذا التفاهم قد يُعيد توزيع خرائط النفوذ في المنطقة بعد نهاية الحرب على قطاع غزة.
بالمقابل لا تُبدي معظم الأطراف اللبنانية المتمثلة في مجلس النواب أي مرونة حقيقية مع «الخماسية»، وتدير أذنها الطرشاء لمقررات اجتماع الدوحة التي ركَّزت على انتخاب رئيس جمهورية يتوافق عليه جميع اللبنانيين والقيام بعملية إصلاح اقتصادية تتطابق مع توصيات صندوق النقد الدولي وتطبيق القرارات الدولية.
أن لبنان دخل مسار الحرب، لكن المشكلة الكبرى أن الحرب الشاملة لن تنتهي بحسم واضح بالضربة النهائيّة لمصلحة فريق على آخر، بل ستفتح أبوابًا إضافية لنزاعات طويلة وتعقيدات مختلفة تزيد من حال الفوضى، لذا فأسباب ارتفاع مستوى التوتر الحاصل، على علاقة بالمفاوضات الدائرة خلف الأبواب المغلقة والتي ستكون ارتداداتها حكما على صندوقة اقتراع لن ترسم موازين القوى في البرلمان اللبناني فقط بل ملامح مستقبل لبنان السياسي في السنوات وربما العقود المقبلة.
الحوار المجتمعي.
**