كما كان متوقّعاً، بدأت أمس الامتحانات الرسمية المهنية الخطية في شهادة البكالوريا الفنية في كل الاختصاصات على وقع القصف وخرق جدار الصوت في أجواء مناطق جنوبية عدة، كلّ ذلك ألقى بظلاله على مراكز الامتحانات التي سادها قلق وتوتر وإرباك وتدافع بين الطلاب وُثّقت في فيديوهات انتشرت على مواقع إخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي. ورغم الجدل الواسع الذي دار بشأن ما إذا كانت عملية خرق جدار الصوت وقعت أثناء خضوع الطلاب للامتحانات أو بعد خروجهم من القاعات، فالثابت أن الاستحقاق يسير في ظروف نفسية صعبة عبّر عنها طلاب وأولياء أمور، ولا أحد يضمن ما إذا كان الطالب الذي أجرى امتحاناته اليوم سيكون قادراً على إجرائها غداً، فهل ما يُمتحن به الطلاب من مسابقات مبسّطة ومسطّحة، ما يجعل مستوى الشهادة أقل من إفادة يستحق كل هذا العناء؟اللافت أن المديرية العامة للتعليم المهني أنكرت كل هذا الواقع، فنفت عبر بيان حدوث هلع وفوضى في مراكز الامتحانات في الجنوب، إثْر سماع دويّ خرق لجدار الصوت، متهمةً وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بخلق حالة الإرباك لدى أهالي الطلاب.
إذا سلّمنا جدلاً برواية المديرية العامة، ألا يسأل المسؤولون عن الامتحانات المهنية كيف سيجري الطلاب استحقاقهم في ظل أجواء كهذه، إذ تعرّضت كثير من القرى بعد انتهاء الامتحانات بدقائق للقصف والاعتداءات، ما يجعل الاستمرار في إجراء الامتحان الشكلي، وفق مصادر تربوية، مجرّد مخاطرة من دون جدوى، وبالتالي يُعدّ هدراً للأموال العامة.
تجدر الإشارة إلى أن المديرية ألغت كل الامتحانات العملية في كل الاختصاصات في المصانع ومختبرات الكهرباء والميكانيك والمشاغل المهنية وورش الميكانيك والمطار التي كانت تُنظّم عادة قبل شهر واحد من الاستحقاق الخطي، وأبقت فقط على امتحان عملي واحد في اختصاص التمريض الذي أجري في 7 حزيران الجاري، على خلفية أن الأمر يمسّ بصحة المرضى، علماً أن ما يميّز الاختصاصات المهنية عن الاختصاصات الأكاديمية هو الامتحان العملي الذي استعيض عنه بالامتحان الخطي.
في ما عدا ذلك، جرت الامتحانات خارج قرى الجنوب في أجواء هادئة لم يعكّر صفوها أي شكاوى نظراً إلى سهولة المسابقات المطروحة.
جنوباً، لم تختلف أجواء تقديم الامتحانات عن ظروف العام الدراسي في ظل العدوان الإسرائيلي المستمر. المراكز التي خُصصت لتقديم الامتحانات في النبطية ومعركة وصور وكفرصير والسلطانية وتبنين، استقبلت طلاب القرى الحدودية الذين أجبرهم العدوان على النزوح عن بلداتهم ومتابعة الدراسة عن بعد أو الالتحاق بمعاهد فنية بديلة.
معهد تبنين الفني استقبل طلاب مهنيات بنت جبيل وعيتا الشعب وميس الجبل… والدفعة الأكبر كانت من مهنية بنت جبيل الفنية التي تُعد الأضخم على طول البلدات الحدودية. ميّز الطلاب أنفسهم بارتداء وشاح أبيض ألصقوا عليه صور أساتذتهم وصور زميلهم الطالب في قسم التمريض الشهيد هادي حجازي الذين استشهدوا خلال العدوان الجاري. فالمهنية بعد عدوان تموز 2006، حملت اسم أحد أساتذتها، الشهيد راني بزي، أحد أبطال مواجهات وادي الحجير الذي استشهد مع 13 طالباً في التصدي للعدوان. طلاب كثر مع أهاليهم عبّروا عن استغرابهم لإصرار وزير التربية عباس الحلبي على إجراء الامتحانات «من دون مراعاة ظروف طلاب الحدود».
في منزلها البديل في بيت ياحون (قضاء بنت جبيل)، تحضّرت زينب قاسم للامتحان. في كل فرصة في الشهر الأول للعدوان، كانت تذهب إلى منزل أهلها في أطراف عيترون لإحضار كتبها ودفاترها ولوازم للدراسة. أخيراً، تضرّر المنزل من جراء القصف وفقدت أغراضها. زميلها مهدي برجي دُمر منزله في ميس الجبل واضطر لتوفير كتب ودفاتر جديدة. الصعوبة الكبرى كانت في اضطراره للانتقال من بيروت حيث نزح إلى تبنين لإجراء الامتحانات. خيبة الطلاب عارمة من «الوزير والمسؤولين في الدولة الذين أصرّوا على المخاطرة بحياتنا وإجراء الامتحانات من دون تخفيف المواد والالتفات إلى الظروف التي نعيشها». إحدى الطالبات استعرضت الصعوبات التي رافقت عامها الدراسي من البطء في الإنترنت إلى التوتر والخطر الدائميْن حتى في البلدات التي نزحوا إليها. وأجمع الطلاب على «أننا مظلومون من إسرائيل ومن الدولة على السواء. كتبنا ومنازلنا راحت وهُجرنا إلى هنا وهناك».
وفي مبادرة تجاه الأهالي النازحين الذين اصطحبوا أبناءهم من مناطق بعيدة إلى مركزَي تبنين والسلطانية، فتح كاهن رعية تبنين ماريوس خيرالله قاعة كنيسة القدّيس جاورجيوس في البلدة حيث انتظر الأهالي أبناءهم إلى حين انتهاء دوام الامتحان.
المصدر:”الاخبار – زينب فرج، فاتن الحاج”
**