في جلسة استثنائية عُقدت الأسبوع الماضي، أقرّ مجلس إدارة الضمان رفع قيمة المبلغ المقطوع لعدد قليل من الأعمال الجراحية المعتمدة في الصندوق، لتصبح نسبة التغطية 90% لمجموعة مختارة تبلغ 269 عملاً جراحياً من أصل 3200 عمل جراحي مدرج في لوائح الضمان. لكنّ هذا القرار أتى عشوائياً بلا أي دراسة فعلية عن مدى الحاجة إلى هذه الأعمال دون غيرها، ولا إذا كان جرى التفاوض مع المستشفيات على التعرفات الجديدة. فالضمان محكوم منذ خمس سنوات بهذه العشوائية، إذ تظهر النقاشات في مجلس الإدارة أن هناك «ممانعة» من إدارة الضمان لأي خطّة واضحة كتلك التي رسمتها اللجنة الفنية وبدأت تحيل بموجبها مشاريع إلى مجلس الإدارة مثل خطّة الدواء التي يبدو أن الإدارة تتحفّظ عليها بذرائع واهية.إذاً، اختارت إدارة الضمان عدداً محدوداً من العمليات الجراحية لزيادة تغطيتها الصحية بالمبالغ المقطوعة، في مقابل إسقاط العدد الأكبر من الإجراءات الطبية، إذ إنه بحسب الموقع الرسمي للصندوق، فإن التغطية الصحية تشمل 3200 عمل جراحي في المستشفيات والعيادات. هكذا، حذَت إدارة الضمان حذو وزارة الصحة عبر تصنيف الأعمال الاستشفائية بين مهدّد للحياة ما يوجب تغطيته، وغير مؤثّر على الحياة فيُلقى الجزء الأكبر من كلفته على عاتق المريض. ورغم أن الضمان يزعم بأن نسبة تغطية كل هذه الأعمال الجراحية تبلغ 50%، إلا أن الوقائع التي ترد يومياً على لسان مضمونين خضعوا لأعمال طبية وجراحية، تشير إلى أن المضمون يدفع مبالغ كبيرة للمستشفيات بالعملة الأجنبية تحت عنوان «فروقات ضمان» عند إجراء عمليات جراحية.
أمّا الآن، ووفقاً للقرار الجديد الصادر عن مجلس الإدارة بناءً على اقتراح الإدارة، فسيغطي الضمان 8.4% فقط من مجمل الأعمال الطبية في المستشفيات التي كانت تشملها التغطية. وتبرّر إدارة الضمان اقتراحها هذا بأن هذه الأعمال الطبية الـ269 «تشكّل 85% من الأعمال الجراحية المقطوعة المعتمدة في الصندوق». وبحسب كتاب الإدارة الموجّه إلى مجلس الإدارة، فقد تمّ تحديد هذه الأعمال الجراحية الـ269: كلفة طبيب الجراحة، التخدير، الاستشاري، بالإضافة إلى 3 تسعيرات لكلفة غرفة العمليات في المستشفى. ويعود السبب لوضع 3 أرقام مختلفة لكلفة المستشفيات إلى تصنيفات الضمان المختلفة. وبحسب الدراسة الإكتوارية التي أُعدّت في الضمان فإن كلفة هذه الأعمال الـ269 ستبلغ 2945 مليار ليرة، إنّما لم يتم تحديد كيفية تأمين هذا المبلغ الذي تصل قيمته إلى نحو 33 مليون دولار.
لم تعتمد إدارة الضمان على أي دراسة واضحة المعالم، لا بل إن مجلس الإدارة لم يجد ما يناقشه بل «ساير» المدير العام بعد إشكال انفجر في الجلسات السابقة بينه وبين نائب رئيس مجلس الإدارة غازي يحيى حول صلاحيات كلّ منهما. ورغم أن الكثير من الأسئلة التي كانت تتخمّر على ألسنة أعضاء مجلس الإدارة، إلا أن الجميع قرّر الموافقة على طلب الإدارة سريعاً بإقرار الاقتراح بلا أي دراسة وبلا أي سؤال، على أمل أن تقدّم اللجنة الفنية الدراسة الشمولية التي تحدّد طريقة التعامل مع الأعمال الاستشفائية وإعادة التغطية فيها إلى نسب مرتفعة بعد إلغاء الهدر الذي كان مستشرياً في الإنفاق الصحي قبل الأزمة. اللافت أن إدارة الضمان تقرّ بأنها لم تجر أي دراسة، بل اعتمدت على القيم التي حدّدتها وزارة الصحة للأعمال الجراحية «ومضاعفة البدلات من 20 ضعفاً حتى 60 ضعفاً، بحسب أهمية العمل المقطوع وضرورته الحياتية، ونسبة تنفيذه استناداً إلى باقي الأعمال الجراحية»، كما ورد في كتاب الإدارة إلى مجلس الضمان. واعتمد الضمان على مبدأ التهديد للتعامل مع المستشفيات وفسخ العقود معها، من دون أي تفاوض حول التعرفات كما كان يحصل في السنوات الماضية.
من جهتها أعربت مصادر من داخل إدارة بعض المستشفيات عن تململ وتحفّظ من سلوك الضمان، ورفضت الإدلاء بأي تصريح قبل الانتهاء من دراسة الأرقام التي أبلغها بها الضمان نهاية الأسبوع الماضي. فالتعرفات الجديدة لا تشي بتعديلات كبيرة تتناسب مع تغطية بنسبة 90% كما يروّج لها الضمان. فعلى سبيل المثال عملية «زراعة بطارية للقلب pacemaker» تصل كلفتها إلى 63 مليون ليرة (700 دولار) في اللوائح الجديدة التي يغطيها الضمان مدّعياً بأن نسبة التغطية فيها تصل إلى 90%، لكن الواقع أن كلفتها في اللوائح القديمة كانت 22 مليون ليرة، أي إنه جرت مضاعفة تعرفاتها 3 مرات فقط، وهو معدل أدنى بكثير من أن يرفع نسبة التغطية إلى 90%. أما عملية «استبدال الصمام الأبهري في القلب»، فيكلّف بحسب اللوائح الجديدة 295 مليون ليرة (3,300 دولار)، ما يعني أنّه تمّت مضاعفتها مرة ونصف مرة، إذ كانت كلفتها 184 مليوناً في اللوائح القديمة للضمان.
كان يُفترض قبل إقرار الاقتراح في مجلس الإدارة، أن يتم عرضه على اللجنة الفنية للوقوف على رأيها في جدواه المالية والقانونية والإدارية، إلا أنه كان لافتاً أن يُقرّ الاقتراح بلا رأي اللجنة الفنية. ويفسّر رئيسها مكرم غصوب الأمر بالإشارة إلى أنه قدّم رأياً شفهياً في اجتماع المجلس «لضيق الوقت»، مؤكداً أنه يوافق على مبدأ «الدفع والتسعير بالمقطوع».
رغم ذلك، ثمة الكثير من الشكوك في الضمان بجدوى هذا الاقتراح ودقّته، ولا سيما بشأن تجاوب المستشفيات الخاصة، والقدرة على فرض رقابة طبية على حسن التنفيذ وتسديد المريض 10% فقط. بعضهم يسأل: لماذا لا يقوم الضمان بوضع عقود جديدة مع المستشفيات؟
المصدر:”الاخبار – فؤاد بزي”
**