صبيحة يوم الثامن عشر من حزيران / يونيو 2024 تاريخٌ استراتيجي حيث تمكن ” هدهد ” المقاومة من تحطيم نظرية التفوق الأمني والعسكري “لاسرائيل” ونفض غبار الوهم باستمراره، بل حفر عميقًا في وعي الصهيونية لتصل إلى مؤسّسها تيودور هرتزل، وتزامن توقيته مع غمرة الانقسام السياسي والشعبي الداخلي الصهيوني، بينما كانت “إسرائيل” تسعى لاستعادة صورة الردع المتآكل، وتسعى لترقيع ثوب هيبة جيشها المهترئ، الذي هشّمته المقاومة منذ العام 1982، ومعها باقي فصائل المقاومة، وحطّمت أسطورته، فكان وقع
الأهداف التي تم تصويرها ورصدها من قبل “الهدهد” والذي تضمن مسحا دقيقا لمناطق عسكرية وإستراتيجية في شمال إسرائيل، وصورته مسيّرة للحزب ثم عادت إلى قواعدها بسلام دون أن ترصد من قبل الرادارات الإسرائيلية عملية
غير مسبوقة في تاريخ العمل المقاوم والتي نزلت على حكومة نتنياهو كالصاعقة، وهي التي كانت تطلق التهديدات يمنةً ويُسرى، بعد أن أدركت قيادتها أنها تواجه حركات مقاومة حرّة جديّة لا تحيد ولا تلين، ولا تفاوض ولا تساوم ولا تطبّع أو تتنازل عن القضية، منطلقةً في ذلك من تغيير الوعي في الفكر القومي، ومن بصيص نور أزال جُدُر الوهم المصطنعة.
ان القضية الفلسطينية التي شغلت العالم لنحو ثمانية عقود، وأشعلت الكثير من الحروب في الشرق الأوسط، يبدو اليوم أنها تعيش إرهاصاتها ما قبل الأخيرة، إذا ما أخذنا بالاعتبار المعطيات السياسية وتطور الأحداث الميدانية، يؤازرها التغيير الحاصل في العالم في موازين القوى، وما يحمله من دلالات مرتبطة مباشرة بمصالح القوى الكبرى، وسقوط الأحادية القطبية الأميركية. ثمّ إنّ تبدّل المزاج الشعبي الغربي بشأن القضية الفلسطينية والفهم الصحيح لواقعيتها التاريخية، خاصةً بين فئة الشباب وبالأخص الأميركي منه، دليلٌ إضافي على ما سيبديه قادم السنوات، بناءً على ذلك ارتقت القضية الفلسطينية مستوىً بالغًا من الفاعلية، وبقراءة هادئة مشفوعة بدلائل سياسية وميدانية، لا بالتواكل على سرديات أو عنتريات اسرائيلية خاوية ممجوجة، ولا اعتمادًا على نبوءات نتنياهو التي التي يحدث العالم عنها ويبني عليها بعض ساسته في برامجهه ،وإنّما بحقيقة ما يدور في الميدان وعلى أرض الواقع، من غزّة، إلى الضفّة الغربية، إلى الأراضي المحتلة عام ثمانية وأربعين، إلى محيط إسنادها اللبناني واليمني والسوري والعراقي واللبناني. إزاء ذلك يتضح المشهد أكثر بالنسبة لصورة الكيان المستقبلية، وأيضًا صورة الحرب على غزّة فضلًا عن توسعتها، والتهويل بفتح جبهة لبنان، مع الخشية من ارتفاع تكاليفها غير المنظورة على الصعد كافّة، ومع صورة “الهدهد” فوق ميناء حيفا وتصويره مواقع مهمة وحساسة يبدو أنه لا مفر أمام الكيان الإسرائيلي، ومعه واشنطن وباقي الداعمين الظاهرين والمغمورين سوى تقبّل الهزيمة الجزئية، كي لا يُقامر بهزيمة وجودية، فهو وداعميه باتوا يدركون أكثر، أن بيت العنكبوت هذا، يسير شيئًا فشيئًا إلى مرحلة التلاشي، بعد أن تأكّد لهم أن “إسرائيل” هذه، قد فقدت دورها المحدّد لها أمنيًا واقتصاديا وسقطت، بفضل تضحيات عقود من المقاومة الفاعلة وصبر وصمود شعوبها الوفيّة، ولا يجانبُ المراقب الصواب إذا ما طرح سؤالًا: ما هي المدّة الزمنية التي تفصلنا عن رؤية فلسطين محرّرة؟
المصدر:”سوشال حوار”
**