يعتبر عيد الأضحى أحد أهم الأعياد في الإسلام، ويُحتفل به سنويا في اليوم العاشر من شهر ذي الحجة بحسب التقويم الهجري، بعد انتهاء وقفة عرفة، اي اليوم الذي يؤدي فيه المسلمون أهم مناسك الحج. وذبح الأضحية سُنة مؤكدة مع الاستطاعة وليست واجبة، وطقس ديني رئيسي، حيث تُنحر الأضاحي (غالبا من الانعام) تقربا إلى الله، وإحياءً لذكرى سيدنا إبراهيم عليه السلام.
وقد جاء تقليد الأضحية في الإسلام استنادا الى القصة الدينية، حيث أمر الله إبراهيم في رؤية بأن يذبح ابنه إسماعيل كاختبار لإيمانه وطاعته، وعندما كان إبراهيم على وشك اتمام الامر، أرسل الله كبشا ليكون فدية عن إسماعيل.
كلفة المعيشة الى تصاعد
والمعاشات “بالأرض”!
في موازاة ذلك ، قال الباحث في “الدولية للمعلومات” السيد محمد شمس الدين لـ “الديار” ان “كلفة معيشة اسرة مكونة من 4 افراد تبلغ بالحد الأدنى حوالي 52 مليون ليرة شهريا، أي ما يساوي 584 دولارا. تجدر الإشارة الى ان الأجور لا تزال بالعملة الوطنية، وهناك رواتب لا تتجاوز الـ 60 دولارا، أي ما يوازي 5,340,000 ل.ل تقريباً.
جوهر الذبيحة
وفي الإطار، أوضح أستاذ مادة التربية الإسلامية الشيخ إبراهيم امامة لـ “الديار” ان “الأضحية تعبّر عن طاعة المسلم لله، واستعداده للتضحية بما هو عزيز عليه، وتتضمن معاني الكرم والتعاون الاجتماعي، ويتم توزيع لحم الاضحية بين العائلة والفقراء والمحتاجين، مما يعزز التضامن والتعايش في الشدائد”.
القدرة الشرائية بـ “الويل”
واكد انه ” مع تفاقم الفقر المطلق الى حد هائل في لبنان وارتفاع معدلات التضخم، أصبحت تكلفة المعيشة باهظة للغاية، مما أثر بشكل كبير في القدرة المالية للمواطنين. من بين هذه التأثيرات، يأتي ارتفاع سعر العجل والخروف، مما جعل أداء شعيرة الأضحية في عيد الأضحى تحديا للكثيرين. وتجد العائلة صعوبة في توفير الأموال اللازمة لشراء الأضاحي، في ظل الظروف الاقتصادية الشرسة، حيث تصاعدت الأسعار بشكل مخيف وعشوائي وغير مبرر. وتعود هذه الزيادة إلى عدة عوامل، منها انخفاض قيمة الليرة اللبنانية، ومضاعفة تكاليف استيراد المواشي بسبب تقلبات السوق العالمي”.
وأضاف “رغم كل التحديات الحياتية، يسعى العديد من الميسورين إلى الحفاظ على هذه الشعيرة الدينية، ربما من خلال التعاون مع الأصدقاء والعائلة لتقاسم مصاريف الأضحية، أو البحث عن بدائل أقل قيمة”.
وختم قائلا: “تظل شعيرة الأضحية رمزا للفداء والكرم والتكافل الاجتماعي، وعلى الرغم من الصعوبات الاقتصادية، فإن الحفاظ على هذا التقليد يعكس تمسك المسلمين بقيمهم وإيمانهم بأهمية مشاركة الخير مع من حولهم، حتى في أوقات الأزمات. وقد أصبح الاسهام في ذبيحة واحدة من الحلول الشائعة التي يلجأ إليها المؤمنون، وهذا النوع من التعاون يعكس روح الترابط والتعاضد، حيث تحتشد مجموعات من الأفراد لشراء عجل أو خروف، ثم يشاركون في تكاليفه ونحره وتوزيع لحمه”.
تكاتف انساني – اجتماعي!
من جانبه، قال السيد علاء الحمادي صاحب مزرعة لبيع المواشي في بشامون لـ “الديار” ان “هذا العام صعب على الجميع، وهناك مواصفات وشروط يجب ان تتوافر في الانعام المخصصة للأضاحي، اذ يجب ان يبدأ عمرها من 6 أشهر وما فوق، والوزن يتأرجح بين الـ 40 و42 كلغ، ويبلغ سعر الكيلو (عوس بلدي) اليوم 6.40$ ويتراوح سعر الخروف بين 270 و 300 دولارا بحسب الوزن”.
وأضاف “أسعار العجول مرتفعة جدا واستقدامها يكون بناء على الطلب، وسعر الكيلو اليوم يتراوح بين الـ 3.5 الى 4 دولارات تقريبا، والاسعار بدءا من 2400 دولار وما فوق. لذلك يجب دفع “عربون”، أي ضمانة مالية مسبقة من قبل الزبون او الشاري قبل الاستلام.
اما الشيخ رضوان العجمي الذي يُشرف على مشروع اضاحي ضخم فقال لـ “الديار”: “تبلغ تكلفة الحصة للشخص الواحد إذا كان وزن العجل حوالي 600 كلغ بين 275 و325 دولارا”.
وفي الوقت عينه، كشف الحمادي لـ “الديار” عن “ان هذا العام رغم الشظف والضيق المالي، الا ان العديد من اللبنانيين قرروا تقليل التكاليف من خلال تقاسم تكلفة الأضحية، وبذلك يصبح من الممكن أداء هذه الشعيرة دون تحميل الأفراد عبء مالي كبير”. لافتا الى “ان هذا النوع من التضافر يعزز روح التعاون والمشاركة بين الجيران والأقارب والأصدقاء، ويساهم في زيادة توزيع لحم الأضحية على عدد أكبر من الأسر، بما في ذلك المدقعين، مما يزيد من التأثير الإيجابي للأضحية في المجتمع”، مشيرا الى “قلّة استيراد المواشي من الخارج هذا العام بسبب ارتفاع تكاليف الشحن والايراد”.
صيحة جديدة
وأشار الى “ان شراء عجل وذبحه وتقاسم لحمه بين مجموعة من الاشخاص ،أصبح صيحة في العديد من المجتمعات اللبنانية. ويتم تنسيق الأمر قبل العيد بوقت كافٍ، لضمان تنظيم العملية بسلاسة. ويتجمهر المساهمون للمشاركة في ذبح العجل وتوزيع اللحم، مما يعزز العلاقات الاجتماعية ويعكس جوهر العيد وماهيته”. ولفت الى ان هذا الاتجاه يعكس قدرة العائلات على التأقلم مع الظروف الاقتصادية المتغيرة، والحفاظ على التقاليد الدينية والاجتماعية رغم الصعوبات المادية”.
وشرح الحمادي آلية الشركة في الاضحية الواحدة وتتضمن الاتي:
1- تشكيل المجموعة: يتفق عدة أشخاص على المشاركة في شراء الأضحية، ويحددون حصة كل فرد.
2- المساهمات النقدية: يتم جمع الأموال اللازمة لشراء العجل أو الخروف من السوق أو عن طريق مربي الماشية.
3- التجزئة: بعد الذبح، يُقسم اللحم إلى حصص متساوية بين المشاركين، مع تخصيص جزء للمحتاجين.
والجدير بالذكر ان هناك جمعيات خيرية تؤدي دورا مهما في تقديم الدعم للأسر الفقيرة والمحتاجة خلال الأعياد، وتوفر لهم ما تيسر من الأضاحي.
“شرايتو ولا تربايتو”
من جهتها، قالت السيدة ربى العبد لـ “الديار”: “ارتفعت أسعار مكونات المعمول الأساسية كالدقيق والسكر والزبدة بشكل هستيري، وأصبحت الحشوة مثل الفستق الحلبي والتمر والجوز مكلفة جدا، نتيجة لانخفاض قيمة الليرة اللبنانية وتعاظم أسعار المواد الأولية. لذلك قررت شراء الحلويات الجاهزة، وقد بلغ سعر دزينة المعمول المحشي بالفستق الحلبي 10 دولارات، ومعمول الجوز 7 دولارات، والتمر 6 ، والمشكّل 7 ، وكيلو السواريه 15، واشتريت حبة من كل صنف، ومع ذلك الأسعار لم تكن منخفضة”.
وختمت “مع لهيب أسعار الأضاحي والمعمول في آن واحد، يجد اللبنانيون أنفسهم في موقف صعب خلال فترة الأعياد. اذ انهم من جهة، يسعون للحفاظ على شعيرة الأضحية التقليدية رغم التحديات المالية، ومن جانب آخر يتعين عليهم تحمل نفقات إضافية لشراء الحلويات التقليدية، التي تعتبر جزءا لا يتجزأ من الضيافة. لكن رغم التحديات الاقتصادية الكبيرة، فإن روح العيد في لبنان تظل قائمة بفضل التعاون والمشاركة بين الأفراد، سواء كان ذلك من خلال الاشتراك في الأضاحي أو تقاسم الحلويات التقليدية. وتعكس هذه الممارسات قدرة المجتمع على التكيف والتضامن، مما يعزز قيم التكافل الاجتماعي والاتحاد حتى في أصعب الأوقات”.
المصدر:”الديار – ندى عبد الرزاق”
**