تعد الجرائم السياسية من أخطر الجرائم التي تؤدي إلى الاعتداء على أمن الدولة الداخلي والخارجي، وهذا النوع قد عرفته المجتمعات منذ العصور القديمة حتى عصرنا هذا. وتشير عمليات الاغتيال في العالم، إلى استمرار استخدام القتل خارج إطار القانون كأداة لتصفية الخلافات السياسية بين الدول، ويعبر كذلك عن أقصى درجات التوتر التي تدفع الأطراف لاستخدام أسلحة غير تقليدية لتصفية الحسابات.
هكذا تشكل الممارسات والاغتيالات السياسية انتهاكا صارخا لسيادة الدول، فضلا عن أنها تضرب بعرض الحائط القانون الإنساني الدولي، ناهيك عن أنها في كثير من الأحيان تؤدي إلى مقتل مدنيين أبرياء.
ويفرض القانون الدولي الإنساني مجموعة ضوابط للحد من تأثير النزاعات المسلحة، وحماية الأشخاص الذين لا يُشاركون في القتال كالمدنيين، أو الذين لم يعودوا طرفا في القتال مثل الجنود المصابين، كما يرمي إلى الحد من الوسائل المستخدمة في الصراع أملا في التخفيف من الخسائر البشرية و المادية المترتبة على النزاع المسلح.
كما يعطي القانون أولوية لفكرة سيادة الدول، ويحظر على أي دولة التدخل داخل حدود دولة أخرى دون موافقة الأخيرة.
كشف مصرع رئيس الجمهورية الاسلامية الايرانية الدكتور ابراهيم رئيسي ومرافقيه في حادث سقوط المروحية التي تُقلهم ، عن مدى خطورة هذا الإسلوب من الجرائم الدولية، ويؤشر إلى خطورة استخدام التطورات التكنولوجية المستمرة التي تؤدي إلى تعقيد طبيعة ونمط عمليات الاغتيال وبالتالي عولمة إرهاب الدولة الذي تمارسه الدول التي تسخدم هذا الأسلوب كالولايات المتحدة الأميركية والكيان الإسرائيلي.
وبما أنه غالبًا ما تنعكس الأزمات العسكرية بين الدول على شكل نزاعات دولية تستند إلى بنود القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة في محاولة لحل هذه النزاعات، فإن حادثة مصرع الرئيس الايراني ومرافقيه تفتح البحث للإجابة عن إشكالية تتمحور حول إظهار الخروقات القانونية وكيف تكفل القوانين الدولية للدول حق الرد للدفاع عن النفس خاصةً امام تقاعس المجتمع الدولي في تجريم مرتكب مثل هذا النوع من الجرائم.
لا يعد الاغتيال تكتيكاً جديداً في الصراعات بين الدول. ويعد الاغتيال أداة خطيرة، لا سيما عند استخدامها في إدارة السياسة الخارجية ضد كبار المسؤولين الاجانب.ويمكن تقسيم الدوافع التي تدفع الدول او المنظمات او الأشخاص إلى القيام بعمليات اغتيال إلى دوافع عسكرية، ودوافع سياسية، ودوافع عقائدية ودينية، ودوافع أيدلوجية وفكرية ودوافع اقتصادية ودوافع شخصية.وهنا نقول أنه لا شك أن عملية الاغتيال هي عمل عدواني، وقد جرى تعريف العدوان في محكمة نورمبرغ، ثم تم تدوينه لاحقاً جزئياً بموجب قرار الجمعية العامة رقم 3314 و المحكمة الجنائية الدولية. وتستخدم المحكمة الجنائية الدولية تعريفاً للعدوان المنبثق عن القانون العرفي الدولي، والذي يحظر عموماً الغزو أو الهجوم بالقوات المسلحة لدولة ما ضد أراضي دولة أخرى من خلال قصف دولة أو حصار موانئها أو سواحلها أو إرسال وكلاء أو قوات شبه العسكرية. وقد وصفت محكمة نورمبرغ العدوان بأنه جريمة دولية “عليا” بموجب القانون الدولي، وبالتالي فإنه وفق الاتهام الإيراني للكيان الإسرائيلي فهذه العملية تشكل عملاً عدوانياً ضد إيران.
ويعد هذا الاغتيال السياسي “القتل” الذي تمارسه الإدارة الأميركية والكيان الاسرائيلي انتهاكاً فاضحاً لكافة معايير حقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني، وخاصة اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب المؤرخة في 12/ آب أغسطس 1949. كذلك يعد انتهاكًا صارخاً للحق في الحياة وفق ما جاء في المادة الثالثة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ” لكل فرد حق في الحياة والحرية وفي الأمان على شخصه “. كما نص البند الأول من المادة السادسة في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أن ” الحق في الحياة حق ملازم لكل إنسان، وعلى القانون أن يحمي هذا الحق. ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفاً”.
كما أن اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب المؤرخة في 12/ آب أغسطس 1949 أوجبت في المادة الأولى منها تعهد الدول الأطراف السامية المتعاقدة، ” بأن تحترم هذه الاتفاقية وتكفل احترامها في جميع الأحوال”. واعتبرت المادة الثانية من الاتفاقية أن سياسة القتل بجميع أشكاله في جميع الأوقات والأماكن هي من الأفعال المحظورة. هذا ويعتبر القتل العمد من المخالفات الجسيمة، حيث نصت المادة (147) من نفس الاتفاقية على تعريفها للمخالفات الجسيمة أنها ” هي التي تتضمن أحد الأفعال التالية إذا اقترفت ضد أشخاص محميين أو ممتلكات محمية بالاتفاقية. واعتبرت أن القتل إحدى المخالفات الجسيمة”.
ومن ناحية أخرى، تحظر مبادئ الأمم المتحدة الخاصة بالوقاية الفعالة من عمليات الإعدام خارج نطاق القانون تحت أي ذريعة حتى وإن كان في زمن الحرب، وحسب المبدأ الأول والذي جاء فيه ” يجب على الحكومات أن تحظر قانونيًا جميع عمليات الإعدام خارج نطاق القانون، وأن تضمن اعتبار أي عمليات مثل هذه، جرائم حرب بموجب قوانينها الجنائية. وان يعاقب عليها بالعقوبات المناسبة التي تأخذ بعين الاعتبار مدى خطورة هذه الجرائم، ولا يجوز التذرع بالظروف السياسية الداخلية أو أي حالة طوارئ أخرى كمبرر لتنفيذ عمليات الإعدام هذه.
كما تعتبر عمليات الإعدام خارج نطاق القانون (الاغتيال السياسي) مخالفة صريحة وواضحة للمعاهدة الرابعة الموقعة في الثامن عشر من أكتوبر لعام 1907 في لاهاي والمتعلقة بقوانين وأعراف الحرب على الأرض. فالمادة (33) من نفس المعاهدة تؤكد أنه يحظر بشكل خاص قتل أو جرح أفراد يتبعون لدولة معادية أو جيش معاد بشكل غادر، أو قتل أو جرح عدو يلقى سلاحه أو لا تعد بحوزته وسائل دفاع ويستسلم طواعية، مع عدم استخدام أسلحة أو قذائف أو مواد تسبب في معاناة غير ضرورية.
ومن القواعد الأساسية في القانون الدولي عدم جواز تحويل المدنيين والأهداف المدنية مطلقاً إلى هدف للهجوم، وتنطبق هذه القاعدة في جميع الظروف، ومنها في خضم نزاع مسلح شامل. وبسبب طبيعتها العرفية، فإنها ملزمة لجميع الأطراف. فكما نصت المادة السادسة فقرة (ج) من ميثاق المحكمة العسكرية الدولية “نورمبرغ” اتفاقية لندن المؤرخة 6 آب 1945 في تحديدها للجرائم ضد الإنسانية، فإن عملية القتل هي ضمن الجرائم ضد الإنسانية.واعتبرت نفس المادة أن القادة والمنظمين والمحرضين، والمساهمين والمشاركين في إعداد وتنفيذ خطة عامة أو في اتفاق جنائي لارتكاب جرائم سابقة يكونون مسؤولين عن جميع الأفعال التي ارتكبت بواسطة أي من الأشخاص في سبيل تنفيذ تلك الخطة”. لكن كل ذلك يعتبر ضعفاً دولياً حيث إن المجتمع الدولي لم يمنع الحظر الكلي لعمليات الاغتيال، وخير دليل على ذلك قصوره عن التصدي لجريمة اغتيال القائد الايراني قاسم سليماني والقائد العراقي أبو مهدي المهندس.
إن القواعد والنظم القانونية كافة تعترف بحق الدفاع عن النفس، وهو حق معترف به منذ القدم وجرى التأكيد عليه في ميثاق الأمم المتحدة، ويعتبر استخدام القوة للدفاع عن النفس حقاً استثنائياً بالنسبة للمنع العام لاستخدام القوة الوارد في الميثاق، ويرى مؤيدو القانون الطبيعي أن حق الدفاع عن النفس هو أحد الأسباب عن الحرب العادلة أو أنه أحد الأسباب العادلة للحرب، وأن القانون الطبيعي لا يؤيد هذا الحق فقط بل إنه يأمر الدول بممارسته، وتلجأ الدولة إلى هذه الممارسات إذا ما قامت الدول الأخرى أو الجماعات المسلحة بتجاهل واجب عدم التدخل المشار إليه أعلاه، وما تقدم يعطي إيران في حال الوصول الى تفسير لغز “الهبوط الصعب” للطائرة، وبالجملة أسباب الحادث، وملابساته، إن كان نتيجة قصف صاروخي أو انفجار داخلي أو ارتطام عنيف بسبب تشويش الكتروني حق الدفاع عن نفسها أمام هذه الجرائم.
المصدر:”سوشال حوار – د.هشام الاعور”
*