بعدما ارتفع منسوب الهواجس لدى الأوروبيين الخائفين من موجات النزوح السوري العابرة للبحر المتوسط، ها هم يتوافدون الى بيروت، الواحد تلو الآخر، لاستدراك خطر تدفّق النازحين من لبنان الى دولهم عبر الهجرة غير الشرعية ولو تطلّب ذلك دفع ثمنٍ ما، يعتبره المرتابون رشوة علنية هي أقرب إلى ذرّ للرماد في الجيوب مقارنةً مع الكلفة الهائلة التي تحمّلها لبنان ولا يزال بفِعل وجود أكثر من مليون ونصف مليون نازح على أرضه، فيما يجده آخرون جزءاً ولو كان قليلاً من تعويض مستحَق عن سنوات النزف منذ عام 2011.
لم يتردد الرئيس القبرصي في زيارة المسؤولين اللبنانيين، مرتين على التوالي، خلال وقت قصير للبحث معهم في متطلبات وقف «النزوح الثاني» الى قبرص التي وصلتها طلائع القوارب المحمّلة بآلاف السوريين وتخشى من ان تجتاحها موجة أكبر اذا لم يتم تكسيرها باكراً على الشواطئ اللبنانية.
ورافقت الرئيس القبرصي في الزيارة الثانية رئيسة المفوضية الاوروبية، في إشارة واضحة الى القلق الكبير الذي ينتاب القارة العجوز من احتمال خروج ملف النازحين المتواجدين في لبنان عن السيطرة.
لكنّ المشكلة انّ الاوروبيين لا يزالون يُكابرون ويحاولون «التشاطر»، حتى وهم عالقون في عنق الزجاجة، بمعنى انهم أصبحوا اكثر تفهّماً لمعاناة لبنان جرّاء أعباء النزوح وأشد تَحسساً بمخاطره عليهم، الا انهم في الوقت نفسه لم يتراجعوا بعد عن رفضهم لمبدأ العودة في ظل حكم الرئيس بشار الأسد، مُستبدلين هذا المطلب اللبناني بمنح مساعدة سخية للدولة كناية عن مليار يورو حتى عام 2027، لكي تستمر في استضافة السوريين وتمنع تسرّبهم الى أوروبا.
وقد اختلفت طريقة التعاطي الداخلي مع «الجزرة» الاوروبية، إذ اعتبرها البعض رشوة مكشوفة في وضح النهار في مقابل منع الهجرة غير الشرعية للنازحين، الأمر الذي يعكس محاولة لمعالجة نتائج المشكلة لا أسبابها. بينما دعا البعض الآخر الى التعامل بواقعية مع العرض الأوروبي الدسم، على قاعدة «خذ وطالب» في انتظار ان تحين اللحظة المناسبة للمعالجة الجذرية التي تسمح بإعادة النازحين الى بلادهم، وحتى ذلك الحين لا بأس من الاستفادة من حزمة المليار يورو الاوروبي لتخفيف كلفة النزوح على الدولة والشعب، خصوصاً ان هذا المبلغ هو حق مشروع بمفعول رجعي، ربطاً بما تحمّله لبنان من أعباء هائلة تَرتّبت على استضافة النازحين منذ عام 2011.
ويقول شرف الدين لـ«الجمهورية» ان الاعراف والمواثيق الدولية تُلزم أميركا ودول أوروبا باستضافة ايّ نازح راغب في الذهاب الى دولة ثالثة، لافتاً الى انّ بمقدور كل دولة أوروبية ان تستقبل بكل أريحية ما بين 6 و 7 بواخر كبيرة تقلّ النازحين، «واذا لم تفعل فهي تكون مُدانة».
ويشير الى انه «وبدل ان تعطينا أوروبا رشوة لإبقاء النازحين لدينا، بإمكانها ان تدفع لهم عند عودتهم الى سوريا في إطار التحفيز على العودة، اذا صدقت النيات».
ويضيف: «كذلك يجب على هؤلاء النازحين الاستفادة من العفو الرئاسي الذي من شأنه تسهيل رجوعهم، او عليهم التوجّه إلى بلد ثالث».
ويدعو شرف الدين الى «تنظيم قوافل عودة للمعارضين المسلحين المتواجدين في مخيمات لبنان»، مشدداً على ان بإمكانهم ان يذهبوا إلى الأراضي التي لا تزال تحت سيطرة المجموعات المسلحة في داخل سوريا.
ويعتبر انه «اذا لم يتم التجاوب مع كل هذه الخيارات، لا يبقى في نهاية المطاف سوى فتح الحدود البحرية على مصراعيها أمام هجرة النازحين، على قاعدة انّ آخر الدواء الكَي، وإن يكن من الأفضل طبعاً هو تنظيم رحلات شرعية تخضع الى معايير السلامة”.
المصدر:”الجمهورية – عماد مرمل”
**