خلال الأسبوع الماضي طغت على أخبار الدمار والمجازر اليومية في غزة أخبار الاعتصامات والمظاهرات الطلابية العارمة بالجامعات الأمريكية والأوروبية المؤيدة للفلسطينيين رغم قسوة القبضة الأمنية ضدها ومواقف مديري الجامعات المناهضة لها، وكانت مفاجأة لأقصى الحدود للجميع لعدة أسباب أهمها: العصبيات العرقية العنصرية التقليدية ضد العرب والمسلمين، وكثافة الدعاية الصهيونية التي تشيطن الفلسطينيين، والاعتقاد بأن الأجيال الحالية أقصى اهتمام لها وسؤال وجودي وقضية مصيرية هي تحديد إن كان الواحد منهم ذكراً أو أنثى وتحديد ميوله الجنسية بسبب كثافة البروبجندا الموجهة بهذا المجال، لكن يبدو أن تأثير مواقع التواصل الاجتماعي ساهم في تجاوز الأجيال الحالية لهذه الكليشيهات السلبية، حيث أمكنهم استقاء المعلومات مباشرة من أهلها بدون فلتر القنوات الإعلامية المنحازة تقليدياً للدعاية الصهيونية والمنظور العنصري للفلسطينيين، والحقائق عن أوضاع الفلسطينيين المأساوية جعلت النسبة الأكبر من الطلاب اليهود ينضمون للاحتجاجات المناصرة للحقوق الفلسطينية، ومن طبيعة الأجيال الثورة على الأوضاع السائدة وإرادة استبدالها بمنظورهم للأمور، كما أظهر ذلك فيلم أمريكي بعنوان Rebel Without a Cause – 1955- ثائر بلا قضية ويبين هذه النزعة لدى كل الأجيال للثورة على الأوضاع القائمة حتى بدون قضية محددة، وهذا سبب قابلية الشباب للانضمام للجماعات الإرهابية، ولذا مواد الترفيه والإعلانات عن المنتجات الاستهلاكية الموجهة للشباب تركز على تصوير نفسها ممثلة للنزعة الشبابية للثورة على الأوضاع السائدة، ولذا كان هناك منظور سلبي سائد عن الشباب أن أقصى همهم الثورة على الوالدين بقصة الشعر الغريبة والملابس الفاضحة، لكن أثبت الشباب بالجامعات الأمريكية والأوروبية أنهم أوعى من التصورات النمطية السلبية عنهم بتبنيهم للقضية الفلسطينية بهذا الزخم الهائل وهو أمر ليس بجديد، فمنذ بدايات هذا القرن كانت هناك العديد من جماعات تضامن طلابية مع الفلسطينيين تسافر إلى فلسطين وتساهم في مظاهرات الفلسطينيين وعديد منهم تعرضوا لإصابات بليغة فيها، والطالبة الأمريكية اليهودية «راشيل كوري» تعرضت عام 2003 للدهس المتعمد حتى الموت من قبل آلية إسرائيلية أثناء تصديها لهدم بيت فلسطيني مع مجموعة من الطلاب الأمريكيين المتضامنين، وهؤلاء الطلاب هم قادة المستقبل وعندما سيصلون للمناصب المختلفة ستتغير المواقف العنصرية التقليدية للحكومات الغربية من القضية الفلسطينية وقد وصل بالفعل للكونجرس الأمريكي عدد من المناصرين للقضية الفلسطينية ومنهم الأمريكية من أصل فلسطيني «رشيدة طليب»، وهو أمر كان لا يمكن تصور إمكانية حدوثه في ظل النفوذ المهيمن للوبي الصهيوني والموقف العنصري التقليدي تجاه العرب، ولذا المستقبل يبدو في صالح القضية الفلسطينية خاصة أن كثيراً من اليهود والإسرائيليين باتت لهم مواقف مناصرة للحقوق الفلسطينية وهؤلاء لا يمكن إسكاتهم بالتهم التقليدية بمعاداة السامية كالمرشح الرئاسي وعضو الكونجرس اليهودي (برني ساندرز) الذي يدافع بشراسة عن الفلسطينيين كما ولو أنه فلسطيني وخاصة منذ بداية الحرب الإسرائيلية الحالية ضد غزة ويتحدث في الكونجرس والقنوات التلفزيونية بكلام لا يجرؤ على قوله حتى الفلسطينيون، وكل مواقف الغربيين المناصرة للحقوق الفلسطينية تعد رصيداً مقوياً للموقف العربي مقابل إسرائيل وفعلياً هو أداة الضغط الوحيدة التي يملكها الفلسطينيون ضد إسرائيل، وهذا انقلاب في موازين القوى؛ حيث كانت إسرائيل تحظى بالتأييد غير المشروط من الغربيين شعبياً والمؤسسات الدولية، لكن حالياً حتى المؤسسات الدولية كتلك التابعة للأمم المتحدة كانت لها مواقف غير مسبوقة بالدفاع عن الفلسطينيين وإدانة إسرائيل، ويتوقع أن تدين محكمة العدل الدولية نتنياهو بتهمة جرائم حرب، ولذا أمام الفلسطينيين حالياً فرصة غير مسبوقة عليهم أن يستثمروها بشكل حكيم ولا يضيعوا الزخم الدولي المناصر لهم كما حصل بالانتفاضة الثانية 2000م.
المصدر:”عكاظ السعودية – بشرى فيصل السباعي”
**