مما لا شك فيه ان التعنيف في جمعيات رعاية الأطفال بات يتصاعد ويأخذ منحى مخيفاً حتى كاد ان يصبح ظاهرة مرعبة وخطرة ومقلقة. ويتعرض الأطفال الذين يعيشون في مراكز رعائية لمضايقات جنسية مهينة وغير مرغوبة ومنحطة؛ ومع الركود المالي والأحوال المعيشية الصعبة التي يمر بها لبنان، تزايدت هذه العوامل من تفاقم مشكلة العنف والتحرش الجنسي في الهيئات الرعائية. وللتصدي لهذه الحالة، ينبغي تعزيز المراقبة والقيادة، وتقديم التدريب المناسب، وتوثيق الوعي بحقوق الطفل وضرورة حمايته من الانتهاكات.
وفي الإطار، اوضح خبراء في المجال الاجتماعي لـ “الديار” ان هناك مخاطر متعددة تسيطر على هذه الروابط، منها:
1. فقدان الحماية: بسبب النقص في الاختصاص والإشراف على سلوكيات الموظفين والمتطوعين داخل هذه المؤسسات، مما يزيد من احتمالية حدوث حالات التعنيف والتحرش.
2. الإجهاد: قد تكون الأزمات النقدية والأحوال المعيشية الصعبة للعاملين سبباً في زيادة التوتر والضغوطات، مما قد ينعكس سلباً على تفاعلهم مع الأطفال ويؤدي إلى حوادث العنف.
3. قلة التمرين: العجز في التدريب على كيفية التصرف مع الأطفال وحمايتهم من الأذى المعنوي والجسدي، مما يجعل المستخدمين غير مستعدين للتعامل مع حالات الضغط والصعوبات التي تواجههم.
4. الدراية المؤسسية: انحلال الثقافة الداخلية في المنظمات يسمح بالتسامح مع بعض أشكال الأفعال المخلّة أو عدم التبليغ عنها.
5. القصور التشريعي: عدم الوعي بالقوانين واللوائح التي تحمي حقوق الطفل وتجرم جميع أنواع التعدي، مما يجعلهم أكثر عرضة للاستغلال.
تأنيب وتعدٍ واثارة!
في موازاة ذلك، انشغل الراي العام اللبناني خلال الساعات الماضية بالإدانة التي وجهت الى جمعية قرى الأطفال SOS، حيث تم اتهام الاخيرة صراحة بممارسة ضغوطات مادية وغير مادية على الأطفال والشباب وتعرض هؤلاء للتعنيف والتحرش الجنسي. ولعل الاستنكار الأبرز في هذا المجال هو محاولة شاب يبلغ من العمر 20 عاما الانتحار ودخوله المستشفى لتلقي العلاج.
SOS تدحض المزاعم فماذا يجري؟
من جانبها كشفت مسؤولة قسم التبرعات والتواصل في جمعية SOS شانتال حداد لـ “الديار” عن “ان الجمعية تواجه حملات مُغرِضة، بما في ذلك التسابق الصحفي لنشر الأخبار دون التحقق من صحتها والرجوع الى المعنيين، ولذلك نحن نتقدم من جريدتكم بخالص الشكر لتواصلها معنا بهدف التحقق والاستفسار عن المعلومات المراد نشرها. اضافت، تعقيبا على الاتهامات التي طالت SOS، تؤكد الجمعية أنها كانت وستبقى على نفس القيم والمبادئ التي تعمل بها في لبنان والعالم منذ حوالي الـ 60 عاما ويشهد لنا كل من عرفنا وتعامل معنا”.
وتابعت “إن مسؤوليتنا الأولى هي حماية الأطفال والشباب والعمل دائما على تزويدهم بالرعاية والدعم الذي يحتاجونه، وتحصينهم بالقيم التربوية والأخلاقية ليصبحوا أعضاء فعّالين في المجتمع. ولهذه الغاية يواكب فريق من المتخصصين كل طفل في جميع مراحل حياته وتقديم الدعم الكامل له ومتابعة نموه النفسي والجسدي، مع ما يرافق ذلك من تحديات بسبب الصعوبات التي واجهوها في طفولتهم قبل الالتحاق بالجمعيّة. لذلك، تُجْزِعنا الادعاءات المتداولة لأنها تطال شريحة ضعيفة من المجتمع وتنشر خصوصياتهم في العلن وإننا نسْتبق ما تم بثّه سابقاً ومحاولة استغلال بعض المعلومات المغلوطة لتحريض الرأي العام”.
وأشارت الى “إن غالبية الاطفال تحت رعايتنا ووصايتنا بأمر قضائي -قرار حماية، ونحن على تواصل دائم مع القضاء فيما يخصهم، وقد أخذنا علما بالالتباسات التي تُحزننا؛ ونؤكد تعاوننا الكامل مع القضاء الى حين تبيان الحقائق ولمحاسبة المرتكبين إن صحّت أي من تلك الشكاوى بحقهم؛ لأن الجمعيّة لا تقبل بأي شكل من أشكال العنف أو الإهمال بحق أي طفل، فهم سبب وجودنا ونسعى دائما لمرافقة حياتهم ليكبروا بسلام وفرح. لذلك ننتقد ما ورد من رِيَب طالت الجمعية وشككت في أهدافها التي كانت وستبقى تعمل على تأمين الطمأنينة للأطفال والشباب فاقدي الرعاية الأسرية وتوفير الدعم الكامل لهم”.
التأثير باقِ حتى اثبات العكس!
واردفت “لقد تلقينا العديد من المواقف الداعمة من المجتمع والمتبرعين والشركاء الذين شجبوا ما تم تناقله مثبتين ثقتهم الدائمة بالجمعية، وكلنا فخر بشهادة الشباب والمستفيدين السابقين الذين كانوا أو لا يزالون تحت رعايتها، حيث قدموا شهادات عبر منصات الإعلام والتواصل الاجتماعي وأشادوا بعملها وتقديم المساعدة لهم ليصبحوا افرادا مؤثرين في المجتمع، وقد أصروا على مواجهة الأخبار المؤلمة التي تطال المؤسسة التي يرونها كبيت ثانٍ لهم”.
وأكدت “ان لقرى الأطفال SOS ملء الثقة بالقضاء اللبناني الذي سيبيّن الحقيقة كاملةً وبدورنا نشاركها عند انتهاء التحقيق، رغم اننا نرفض هذا التبجّح المسيء الذي طال اسم الجمعية وخصوصية بعض الأطفال سيّما أنه لم يتم الرجوع الى المسؤولين قبل اشاعة الاخطارات؛ كما لم يظهر أي اهتمام بالحفاظ على سرية الشباب الذين يخوضون تحديات نفسية وجسدية وهم بحاجة اليوم الى الحماية أكثر من أي وقت مضى”.
وختمت حداد “يوجعنا أن المزاعم تمتد الى الأطفال ونحن نأخذ الأمر بجدية كاملة محتفظين بحق الرد بانتظار ما سيكشفه التحقيق، كما وتتحفظ الجمعية عن تأكيد أو نفي أي خبر يتعلق بصحة الأطفال والشباب النفسية أو الجسدية لما في ذلك من انعكاسات سلبية عليهم وعلى مستقبلهم”.
القضاء يصل الى نهاية مأمولة!
من جهتها قالت رئيسة جمعية الاتحاد لحماية الاحداث د. اميرة سكر لـ “الديار” “ان الملف بات بعهدة القاضي المنفرد الجزائي في قضايا الاحداث في جبل لبنان القاضية جويل أبو حيدر، مؤكدة ان الشكوى المتعلقة بالاتهامات الموجهة ضد جمعية قرى الأطفال SOS لا تزال قيد التحقيق والتحقق لمعرفة مدى صوابيتها”.
وشددت على “ضرورة متابعة المسائل المتعلقة بالأطفال وحقوقهم، وقالت: “لقد وصلنا في أكثرية التهم المتّصلة بالقصّر الى خواتيم مرجوّة ونعمل بجد لمكافحة الجرائم”.
نقص الماديات يولّد الجرائم!
في موازاة ذلك، أكد مصدر في وزارة الشؤون لـ “الديار” “ان جمعية SOS تعاني من شحّ التمويل والموارد المالية والهبات وجزء من الاتهام ليس باطلا؛ مشيرا الى وجود عدة أسباب أدّت إلى عدم متابعة الأحداث في الوزارة المعنية بشكل مناسب، منها:
1. الفشل: ان تفشي الفساد في الإدارة داخل الوزارة، يجعل من الصعب تحقيق العدالة ومحاسبة المسؤولين عن أي انتهاكات تحدث في مؤسسات رعائية.
2. ضعف التشريعات: قد تكون القوانين المتعلقة بحماية الأطفال ومكافحة التعنيف غير كافية أو فعالة، مما يجعل من الصعب تطبيقها بشكل حازم.
3. التوجيه: قلة الوعي بأهمية حماية الأطفال والتصدي للتعنيف والتحرش، مما يؤدي إلى تقديم هذه القضايا للرأي العام بشكل غير كافٍ.
4. تداخل المصالح السياسية: لا سيما في العمل الحكومي، مما يؤثر في شجاعة الوزارة على محاسبة المسؤولين وتنفيذ الإجراءات اللازمة.
5. تقلّص الإمكانيات والموارد: تعاني الوزارة من نقص في القدرات والمداخيل اللازمة لمجابهة المضايقات بشكل صارم، مما يجعلها غير قادرة على تحقيق التغيير المطلوب.