محاولات «اللجنة الخماسية» لاختراق الجدار الرئاسي أشبه بمن يحاول ان يحفر صخرة بقشة، حيث مهما تكثف حراك اللجنة، سواءً عبر سفراء دولها في بيروت، او عبر وزراء خارجية او عبر موفدها جان ايف لودريان، فإنّها تبقى فارغة، بل بلا أيّ معنى، طالما انّها لا تملك حلّاً جاهزاً لأزمة الرئاسة، بل انّ جلّ ما لديها مجرّد عناوين عريضة تذكيرية بحاجة بلدهم الى انتخاب رئيس للجمهورية وعودة انتظام الحياة السياسية في لبنان، والسبيل الى ذلك كما تؤكّد اللجنة، هو توافق المكونات السياسية على اختيار الشخص الذي يجدونه اهلاً لقيادة لبنان في هذه المرحلة.
حراكات اللجنة التي توالت منذ اجتماعها الأول في ايلول من العام 2023، وما تلاها من زيارات متلاحقة للوسيط الفرنسي جان ايف لودريان، وبعده الوسيط القطري ابو فهد جاسم بن فهد آل ثاني، وصولاً الى حراكها الأخير في بيروت في هذه الفترة، دارت حول نفسها، كعامل مساعد للبنانيين على إنجاز الملف الرئاسي على وجه السرعة، نائية بنفسها أوّلاً عن الشراكة في اختيار شخص الرئيس، ومحرّرة نفسها من تبنّي أيّ إسم للرئاسة او الإعتراض على ايّ اسم، مراهنةً بذلك على صحوة لديهم، تقودهم الى الجلوس على طاولة حوار او نقاش او تشاور، او ايّ لقاء بينهم تحت ايّ عنوان، للتوافق على رئيس. الاّ انّ النتيجة الأكيدة لكل هذه الحراكات كانت المراوحة في مربّع الفشل، امام مكوّنات حسمت موقفها سلفاً بأنّ التوافق في ما بينها على رئيس للجمهورية من المستحيلات.
ضمن هذا التوجّه المساعد، جاء اجتماع سفراء دول «الخماسية» في دارة السفير السعودي وليد البخاري اواخر كانون الثاني الماضي، اي قبل نحو شهر من الآن، وكذلك مبادرتهم في اتجاه رئيس المجلس النيابي نبيه بري، الذي خلص الى التأكيد على أولوية إجراء حوار باعتباره السبيل الوحيد لبلوغ التوافق المنشود على رئيس صُنع في لبنان، ايّاً كان هذا الرئيس، وصولاً الى اجتماع امس الأول في مقر السفارة الفرنسية في قصر الصنوبر، الذي اعاد التأكيد على اولويات اللجنة التي تتلخّص بوجوب إدراك المكونات اللبنانية حاجة لبنان في هذا الظرف الصعب، الى انتخاب رئيس، والسبيل الى ذلك، جلوس هذه المكونات على طاولة الحوار. وقد اناط سفراء اللجنة لأنفسهم مسؤولية لعب دور اساسي في هذا المجال للدفع الى هذا الحوار.
وإذا كان حراك «الخماسية» حول الملف الرئاسي، وصولًا الى الإجتماع الأخير لسفرائها، قد قرأته مصادر سياسية رفيعة معنية بحراك اللجنة، ايجابياً، حيث انّ المراد منه هو توجيه رسالة واضحة بأنّ الملف في دائرة اهتمام الدول الخمس، وتتشارك الرغبة في حسمه سريعاً، بمعزل عن التطورات الخطيرة التي تتسارع في المنطقة وصولًا الى لبنان، الاّ انّ نقطة الضعف فيه، كما تقول المصادر عينها لـ«الجمهورية»، «تتجلّى في مطرحين، الأول، انّ هذا الحراك يدور في مدار التمنيات، ولا يسوّق آلية لحل رئاسي يتمتع بقوة كسر إرادة التعطيل وبقدرة إلزام المعطّلين به. والثاني هو انّ مكونات أساسية معنية بالملف الرئاسي ترفض الحوار والتوافق بشكل قاطع. ومعلوم هنا كم اطلق رئيس مجلس النواب مبادرات لحوار رئاسي، وقوبلت برفض «التيار الوطني الحر» وحزب «القوات اللبنانية». وفي هذه الاجواء لا يوجد اي تقدّم، وحركة «الخماسية» بلا بركة حتى الآن، اي اننا ما زلنا مطرحنا».
يُشار في هذا السياق الى انّ ما قاله رئيس حزب «القوات» سمير جعجع بـ«اننا مع الحوار في كل لحظة، ولكن لا نتيجة له لأنّ «الثنائي» متمسك برئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية»، فيما اعلن رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل بالأمس: «انّ الحوار هو الطريق للتفاهم، وسنبادر للتوافق على برنامج ومواصفات واسم، واعطاء مهلة محدّدة وقصيرة للانتقال لجلسات مفتوحة لا متتالية في مجلس النواب، في حال عدم التوافق، كي يتمّ الانتخاب بشكل ديموقراطي».
الى ذلك، أبلغ مرجع مسؤول الى «الجمهورية» قوله، «انّ سفراء «اللجنة الخماسية» اكّدوا انّ موقفها موحّد من الملف الرئاسي، لكن بعض الإشارات غير المطمئنة التي ترد من داخل الغرف المغلقة تؤكّد خلاف ذلك».
ورداً على سؤال، فضّل المرجع عدم توضيح تلك الاشارات، الّا انّه قال انّ «اللجنة الخماسية» تؤكّد انّ الحل الرئاسي في نهاية المطاف هو بيد اللبنانيين، ومهمّتها هي مساعدتهم، لكن هذه المساعدة المشكورة من حيث المبدأ، تبقى منقوصة من دون ان تقترن بخطوات على الارض تبادر فيها بعض دول «الخماسية»، المعنية اكثر من غيرها بالملف الرئاسي، الى الضغط على حلفائها المباشرين في لبنان، للانخراط في الحوار الرئاسي والتوافق، اللذين تؤكّد «الخماسية» عليهما. في رأيي هذا الامر ممكن ومطلوب من تلك الدول، وطالما أنّ هذا الامر لم يحصل، فإنّ الدوران في هذه الدوامة سيستمر الى ما شاء الله».
واللافت في هذا السياق، انّ احد سفراء دول «الخماسية»، ورداً على سؤال لـ«الجمهورية»، تجنّب الحديث عن تفاؤل في إمكان نجاح حركة المساعي التي تقوم بها اللجنة للتعجيل بحسم الملف الرئاسي. واكتفى بالقول: «التفاؤل يجب ان يبقى موجوداً دائماً. لكن المسألة الآن ليست مسألة تفاؤل او تشاؤم، هناك مسؤولية اكيدة للأخوة في لبنان، ولا يستطيع احد ان ينوب عنهم في ما يمكن ان يقرّروه، واللجنة «الخماسية» تقوم بدور محدّد لها بمد يد العون لهم لمساعدتهم على إنهاء ازمة الرئاسة في لبنان».
اضاف: «ما نؤكّد عليه هو ان نرى تجاوباً من قِبل القادة السياسيين، مع كل ما يحقّق مصلحة بلدهم، وهذه المصلحة في رأي كلّ اعضاء اللجنة تتجلّى في انتخاب رئيس للجمهورية على وجه السرعة. وكلكم ترون تسارع التطورات في المنطقة، فالمخاطر كبيرة، وكلكم ترون انّها باتت قريبة جداً من لبنان. واؤكّد انّ اللجنة الخماسية حريصة على لبنان وشعب لبنان، وهذا ما يحفّزنا على السعي اكثر لمساعدته في تخطّي ازماته في هذه المرحلة، ونشارك اللبنانيين تأكيدهم بأنّ الخطوة الاولى في هذا المسار تتجلّى في التعجيل في انتخاب رئيس للجمهورية».
ورداً على سؤال عمّا تردّد في بعض الاوساط نقلاً عن مسؤول كبير بأنّ لديه معطيات جدّية حول انتخاب رئيس للجمهورية في ايار المقبل، قال السفير: «اتمنى ذلك، ولكن لا املك ما يؤكّد ذلك».
وعن موعد زيارة لودريان الى بيروت، تجنّب السفير عينه الدخول في لعبة المواعيد، مكتفياً بالقول: «انّ جهود اللجنة ستتواصل في الايام المقبلة، والسفراء بصدد القيام بحراك وشيك، حيث سنجري لقاءات ونقاشات مع المعنيين في لبنان، وآمل ان تفضي هذه الجهود الى ايجابيات».
ورداً على سؤال آخر، عمّا يتردّد عن خريطة حل يسوّق لها الاوروبيون، وتقوم على سلّة حل متكاملة تشمل الملفين الرئاسي والأمني، أكّد السفير عينه «انّ المهمّة المنوطة بسفراء «الخماسية» محدّدة بالتركيز على حسم الملف الرئاسي حصراً، ولا تدخل في اي تفصيل متعلق بالجانب الأمني والتطوّرات التصعيدية في منطقة الجنوب».
واستدرك قائلاً: «كما سبق وقلت، الوضع في المنطقة غاية في الخطورة، وما نسعى اليه هو تجنيب لبنان تأثيرات هذه المخاطر. ومسؤولية الاخوة في لبنان بالتأكيد اساسية في تجنّب الانزلاق ببلدهم الى اوضاع اكثر تعقيداً وخطورة».
وغداة اجتماع سفراء «الخماسية» في قصر الصنوبر، جـال أمـس وفـد مـن الكـونغرس عـلـى عـدد مــن المسؤولين، فالتقى بعد ظهر أمس رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة، وضمّ السيناتور ريتشارد بلومنتال والسيناتور كريستوفر كونز والوفد المرافق بحضور السفيرة الاميركية لدى لبنان ليزا جونسون، حيث جرى عرض للأوضاع العامة في لبنان والمنطقة، لا سيما المستجدات السياسية والميدانية على ضوء مواصلة اسرائيل لعدوانها على قطاع غزة والقرى والبلدات اللبنانية الجنوبية.