لم يكن أحد ينتظر أن يخرج اجتماع سفراء الخماسية في «قصر الصنوبر» بـ«دخان ابيض» او بإعلان ما يتعلق بالملف الرئاسي، وبحسب ما قال مصدر سياسي بارز لـ«الجمهورية» فإنّ هذا الاجتماع أتى رداً على الاحباط الذي ساد جرّاء إشاعة أجواء عن انّ المجموعة الخماسية فشلت في دورها وانّ خلافاتها هي اكبر من ان تتفق»…
وكشف المصدر انّ رئيس مجلس النواب نبيه بري ليس في صدد الدعوة الى مشاورات ثنائية وثلاثية ولا الى طاولة حوار او تشاور، لأنّ مواقف القوى السياسية الرافضة لهذا الامر لم تتغير، وبالتالي لا جدوى من اي طاولة تشاور طالما ان النيات مفقودة والمواقف محسومة».
واكدت المصدر انّ «المعنيين لم يتبلغوا بزيارة قريبة للموفد الفرنسي جان ايف لودريان الى بيروت ولا بزيارة للموفد الاميركي اموس هوكشتاين، لكنّ الاخير أوصَل رسالة مفادها انه مستمر في العمل على الحل في الجنوب لخفض مستوى التوتر والتصعيد تمهيداً لوقف الحرب، كذلك ابلغ انّ الوضع لا يزال تحت السيطرة من ناحية اسرائيل وان العمليات ستبقى محدودة ضمن استراتيجية الاستهدافات العسكرية والامنية ومعادلة الرد والرد على الرد»… لكن المصدر أكد ان «لا شيء يضمن عدم جنوح اسرائيل وجنونها وتوسيعها للحرب»…
وبالعودة الى الاجتماع الخماسي، فقد شارك فيه الى السفير الفرنسي هيرفيه ماغرو، سفراء اميركا ليزا جونسون، والسعودية وليد البخاري، والمصري علاء موسى، وقطر سعود بن عبد الرحمن آل ثاني. وقالت مصادر رسمية لـ«الجمهورية»: «يبدو أن اللجنة الخماسية «المركزية» لم تتوصل بعد الى توافق كامل حول آلية إنجاز الاستحقاق الرئاسي، نتيجة اختلاف الآراء بين مكوناتها حول عدد من النقاط والتوافق فقط حتى الآن على مواصفات الرئيس العتيد، ونتيجة الإنقسام اللبناني ايضاً حول هذا الاستحقاق».
وأوضحت «انّ السفراء ذهبوا الى اجتماع أمس من دون وجود اي اقتراح مشترك يجمعهم، بل اجتمعوا لتبادل وجهات النظر ولمناقشة افكار يمكن ان تشكل قواسم مشتركة بينهم وبين الاطراف اللبنانية، خصوصاً ان النقاش ما زال يدور حول الافكار نفسها التي تم تداولها منذ اكثر من شهر، وملخّصها: هل تتبنى اللجنة اسم مرشح معين او اكثر؟ وهل تحدد مهلة زمنية لمجلس النواب لانتخاب رئيس ام لا؟ وهل تذهب بعض دول اللجنة الى فرض عقوبات او إجراءات حول مُعرقلي الاستحقاق الرئاسي؟».
وبحسب المصادر المتابعة يبدو انّ «فرنسا تعمل على توحيد الرؤية ومعالجة التباينات داخل اللجنة، وظَهر ذلك خلال زيارة الموفد الرئاسي جان إيف لودريان الى كل من مصر والسعودية، كما لهدف إبقاء دينامية اللجنة قائمة إزاء لبنان على رغم الانشغالات بمواضيع اقليمية اكثر أهمية وسخونة».
وفي معلومات لـ«الجمهورية» انّ سفراء الخماسية اطّلعوا من السفير الفرنسي هيرفيه ماغرو على نتائج جولة لودريان الاخيرة، وناقشوا ايضا تطورات مسار الاتصالات والاوضاع القائمة في غزة.
وجاء في بيان السفراء الذي وزّعته السفارة الفرنسية وصدرَ في وقت متأخر ليل أمس: «إجتمع سفراء اللجنة الخماسية اليوم (أمس) لإعادة التأكيد على عزمهم على تسهيل ودعم انتخاب رئيس للجمهورية. واستعرضوا التطوّرات الأخيرة والاتّصالات التي جرت في لبنان والمنطقة. كما تمّت مناقشة الخطوات التالية الواجب اتّخاذها.»
الى ذلك قالت مصادر ديبلوماسية لـ«الجمهورية» ان اللقاء جاء بمبادرة فرنسية بُغية اطلاع السفراء على حصيلة الجولات التي قام بها الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان في الدوحة والرياض قبل القاهرة، والنتائج التي انتهت إليها الاجتماعات مع وزراء خارجية الدول الثلاثة، وكذلك ما انتهت إليه اتصالات الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون مع الرئيس المصري عبد الفتاح السياسي التي تناولت الوضع في لبنان وغزة.
ولفتت المصادر الى انّ الاجواء التي سبقت لقاء السفراء أوحَت بأنه «تشاوري» لاستعراض نتائج اتصالات كل منهم على المستويات المختلفة، والتشاور في الطرق الواجب اعتمادها للتوصّل الى الحوافز التي تدفع اللبنانيين وتقنعهم بأهمية خوض الاستحقاق الدستوري الهادِف الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية بعيداً عما يجري في المنطقة. ذلك انّ معظم الدول المشاركة فيها لا تُحبّذ التريّث الى حين انتهاء العمليات العسكرية في قطاع غزة أو في جنوب لبنان، في ظل فشل المحاولات الجارية لترتيب هدنة إنسانية او وقف للنار إن أمكَن ذلك لاستكمال مراحل تبادل الاسرى لدى «حماس» بالموقوفين المعتقلين في السجون الإسرائيلية، والتي ما زالت أمنيات يَعِد بها وزيرا خارجية قطر والولايات المتحدة الأميركية ومعهما ادارتيهما المنخرطتين في مساعي التهدئة.
وقد تبلّغت مراجع رسمية انّ الاجتماع انتهى الى ضرورة البقاء على تنسيق بين السفراء، وأن ايّ قرارات أساسية لم يتم التوصل إليها قبل اللقاء، خصوصاً لجهة الحركة المتوقعة للسيد لودريان باتجاه بيروت في موعد لا يمكن التحكّم به اذا بقي الوضع على ما هو عليه.
لكنّ مصادر معنية واكَبت ما دار في اجتماع السفراء الخمسة قالت لـ«الجمهورية» ان هذا «الاجتماع دام ساعة ونصف ساعة، وتميّز بأنه كان عملياً وركّز على أهداف المجموعة نفسها بالنسبة الى ما يتعلق بلبنان لجهة ضرورة الإسراع في انتخاب رئيس للجمهورية في ضوء الأوضاع السائدة تعيشها المنطقة، والتي كان لها نصيبها من البحث خلال الاجتماع». وأضافت أن «السفراء اتفقوا على استئناف جولتهم على المسؤولين والقيادات السياسية والكُتل النيابية بعد اللقاء الذي كانوا قد عقدوه اخيراً مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، وسيلتقون بداية رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ثم ينطلقون إلى استكمال بقية لقاءاتهم التي ستشمل أيضاً قائد الجيش العماد جوزف عون».
وأشارت المصادر إلى أن الموفد الفرنسي والخماسي جان ايف لودريان، الذي كانت له الأسبوع الماضي اجتماعات في القاهرة والرياض وبقية عواصم المجموعة الخماسية، سيزور لبنان حتماً خلال النصف الأول من آذار المقبل إذا لم يَستدع الأمر زيارته قبل نهاية الشهر الجاري.
وكررت المصادر التأكيد على أنّ المجموعة الخماسية ترى انه في ضوء التطورات التي تشهد المنطقة، يجب الاستعجال في انتخاب رئيس لبناني جديد حتى يتأكّد حضور لبنان في أي تسوية ستُعقد، لكي لا تحل مكانه دول أخرى.
وردا على سؤال عن طاولة حوار يُقال انّ لودريان يعمل عليها وتجمَع المعنيين بالاستحقاق الرئاسي وغيره؟ قالت المصادر نفسها ان هذه الفكرة طَرحَها لودريان في زيارته الأخيرة للبنان، لكنه شدّد على أن يكون البديل منها لقاءات ثنائية أو وفق أي صيغة إذا لم تكن صيغة «طاولة الحوار» غير مقبولة لدى هذا الفريق او ذاك، على أن ينجز هذا الحوار خلال فترة زمنية محددة، كذلك شدد على وجوب الذهاب إلى خيارٍ ثالث بعد نتيجة جلسة الانتخاب في حزيران الماضي التي تنافسَ فيها رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية والوزير السابق جهاد ازعور. وذلك لأنّ الأزمة حول الاستحقاق الرئاسي ليست أزمة دستورية وإنما هي سياسية، وهذا ما شدد عليه لودريان خلال زيارته الأخيرة للبنان.
وإذ تَردّد انّ خلافات سادت اجتماع السفراء الخمس، نفى السفير المصري علاء موسى هذا الامر نفياً قاطعاً، وقال لـ«الجمهورية»: «لم يحدث اي خلاف، وكانت الاجواء ايجابية وتم الاتفاق على خطوات التحرك التي ستشمل لقاءات مع بعض الاطراف في الايام المقبلة، في محاولةٍ لإحداث خرق ما قبل شهر رمضان وتمهيداً لزيارة الموفد الفرنسي التي لم يحدد موعدها بعد».