الطريق الدولية إلى لبنان مزدحمة بموفدين من مختلف الجنسيات؛ زحمة توحي وكأنّ هذا البلد بدأ يستعيد موقعه في دائرة الاهتمامات الدولية. إلّا أنّها حتّى الآن، لا تعدو أكثر من حركة بلا بركة، حيث أنّها في الشكل، تدور حول الملف الرئاسي المُمَسمّر على قارعة التعطيل منذ 15 شهراً، من دون أن تتمكن من إقناع المعطّلين بالاستجابة لنصائح التسريع بانتخاب رئيس الجمهورية، وأما في جوهرها، فتركيزها الأساس منصبّ على جبهة الجنوب وتعطيل احتمالات تصاعد العمليات العسكرية إلى مواجهات واسعة النطاق. والمنطق الذي يبدونه أمام المستويات اللبنانية يتأرجح بين الترغيب والتمني الهادئ بعدم الانزلاق الى حرب، وبين الترهيب والتخويف منها. وبين الترغيب والترهيب يُقرأ بوضوح الخوف الأكبر للموفدين، ليس من تأثيراتها الدراماتيكية على الجانبين اللبناني و”الاسرائيلي” فحسب، بل من أنّ الحرب إن وقعت قد تخلق واقعاً جديداً في لبنان والمنطقة، وربما خرائط جديدة، تهدّد بالإضرار بمصالح الدول بشكل عام.
على المستوى الرئاسي، لا شيء في الأفق؛ الحراك الأخير الذي بدأته اللجنة الخماسيّة، عُلّق، الى أجل غير مسمّى، على وعد أن يُستأنف بعد اجتماع اللجنة على مستوى رفيع في باريس او الرياض، للتأسيس للجولة الثانية من هذا الحراك الذي يُفترض ان يقوده موفد اللجنة جان إيف لودريان في بيروت، لكسر حلقة الاستعصاء الرئاسي. الاّ انّ معلومات موثوقة لـ»الجمهورية» من مواكبين لحراك «الخماسية»، تؤكّد أنّ «سفراء دولها في لبنان جزموا بانعقاد الاجتماع في باريس او الرياض، ولكن هذا الامر لا يزال في الإطار الكلامي، بل انّه منذ حراك السفراء الأخير، لم تصل الى بيروت ايّ إشارة حاسمة من أيّ من دول «الخماسية» تؤكّد حصول هذا الاجتماع، او ما تردّد عن زيارة قريبة للودريان».
وإذا كان سفراء «الخماسية» قد عكسوا في لقاءاتهم حماسة اللجنة في تزخيم حراكها المساعد للبنانيين على إتمام استحقاقهم الرئاسي، وفق ترشيحات رئاسية مفتوحة يتوافقون عليها في ما بينهم، ولا تتبنّى فيها اللجنة أيّ مرشح، أو تضع «فيتو» على ايّ مرشّح، الّا انّ الأوساط السياسية على اختلافها لا تقارب الحراك المتجدّد لـ»الخماسية»، بحرارة المنتظر حصول اختراقات، بل ببرود وتشكيك في أن تتمكّن اللجنة من صناعة الحلّ الرئاسي المنشود».
وإلى ذلك، يؤكّد مطّلعون على خلفيات حراك «الخماسية»، انّ الجديد الوحيد الذي تحمله اللجنة هو انّها اجتمعت هذه المرّة، كموقف واحد على عدم تبني ايّ مرشح او وضع الفيتو على اي مرشّح، واما الباقي فعلى اللبنانيين. ما يؤكّد أن ليس في جعبة اللجنة الخماسية أي شيء آخر او مبادرة فاعلة لكسر التعطيل الرئاسي، ويتأكّد ذلك في ما تحدثت عنه مساعدة وزير الخارجية الاميركية باربارا ليف امام الوفد النيابي اللبناني في واشنطن قبل أيّام قليلة، حيث قالت بصريح العبارة إنّ «الحلّ النهائي في ملف انتخابات الرئاسة في لبنان هو في يد اللبنانيين».
على انّ السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق، هو هل هذا التوافق ممكن، وهل ثمة إمكانية لاستخراج هذا التوافق من صحراء السياسة اللبنانية المزروعة بالتناقضات والرؤى المتصادمة؟
أكّد رئيس المجلس النيابي نبيه بري أن «لا إمكانية لبلوغ حلّ رئاسي من دون تفاهم أو توافق، لا اقول إجماعاً، بل توافق الحدّ الممكن بين المكونات السياسية لانتخاب رئيس للجمهورية، على غرار التوافق الذي أفضى الى التمديد لقائد الجيش، يعني انّ في إمكاننا ان نستنسخ هذه التجربة ونسقطها على الملف الرئاسي»، وانّه على استعداد لعقد لقاء بين المكونات السياسية تحت عنوان حوار او تشاور، او اي تسمية اخرى، ولمدة محدودة اقصاها 7 ايام، يتمّ خلالها التأسيس لتوافق ينهي أزمة الفراغ الرئاسي الذي دخلت شهرها السادس عشر. ولكن في موازاة موقف بري هذا، مطالب متصلّبة من «التيار الوطني الحر»، وحزب «القوات اللبنانية»، حيث لكل منهما نظرته الخاصة للاستحقاق الرئاسي، وشروط محدّدة للتوافق، و»فيتو» على مرشحين.