أكثر من 6 أشهر مرّت على صدور تقرير التدقيق الجنائي عن «الفاريز اند مارسال»، الذي حمّل الدولة مسؤولية الفجوة المالية التي تجاوزت الـ70 مليار دولار. لكن حتى الان لم تتجرأ الحكومة على مناقشة التقرير، لا بل تجاهَلته رغم انها الجهة التي أوكلت «الفاريز» بالتدقيق. فما كان الهدف من خطوتها اذا كانت لن تلتفت إليه؟
أظهرت نتائج التدقيق الجنائي ان مصرف لبنان راكَم خسائر حتى العام 2020، ساهمت في إنفاقها الدولة، تقارب الـ 51 مليار دولار تضاف اليها ديون بقيمة 16.5 مليار دولار متوجّبة على الدولة نتيجة عمليات التمويل ليصل الى ما مجموعه نحو 67.5 مليار دولار مطلوبات على الدولة عن الفترة الممتدة من 2010 حتى 2020، من دون ان تشمل حسابات الاعوام الثلاثة الأخيرة، حيث زادت الخسارة. وتجاه هذا الواقع، كان يفترض ان تعترف الدولة بخسارتها وتعمل على ايجاد الحلول الملائمة، إنما ما حصل هو العكس تماما حيث عمدت ولا تزال الى التنصّل من المسؤولية والاستمرار بسياسة المراوغة باحِثة عن السارق. فهل يجوز الاستمرار في التعامي عن النتائج والتصرف وكأنّ التقرير لم يصدر اصلاً، وهل يجوز الاستمرار بتجاهل التقرير واهماله والبحث عن حلول في مكان آخر بعيداً من تحمّل الدولة لمسؤوليتها؟ في المقابل، كيف يمكن تفسير ان حاكم مصرف لبنان بالانابة وسيم منصوري ضَم الى بيانات المركزي المالية حجم الخسائر والديون المتوجبة على الدولة لمصرف لبنان والبالغة 16.5 مليار دولار كاعتراف منه بنتائج التقرير؟
في السياق، عَزا الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف سمير حمود لـ«الجمهورية» اهمال نتائج هذا التقرير لأننا نقف امام وجهتي نظر، ولم تختَر الحكومة بعد أياً منهما. الوجهة الاولى تعتبر فيها الحكومة ان الأزمة المالية هي بين المصارف والمصرف المركزي ويقتصر تدخلها على اعادة هيكلة المصارف. وبرأي الحكومة ان المودعين اختاروا التعاون مع المصارف، وتالياً يجب عليهم ان يتحملوا الخسارة. أمّا وجهة النظر الثانية فتقول ان المصارف لا تعمل الا بأوامر وبإيعاز من سلطتها النقدية. صحيح ان لهذه السلطة استقلالية ادارية مالية الا انّ الدولة هي من يعيّن الحاكم ونواب الحاكم ولجنة الرقابة على المصارف ومفوض المالية ومفوض الحكومة لدى مصرف لبنان ووزارة المالية والحكومة ككل. لذا، فإنّ الحكومة مسؤولة وفقاً للمادة 113 عن العجز الذي يحصل في مصرف لبنان، الا ان الحكومة تَتنكّر لهذا الموضوع.
ورأى حمود انه اذا اقدمت الدولة على برمجة دينها ودفعه، وفعل المصرف المركزي الامر عينه، أي دفَعَ التزاماته تجاه المصارف، ففي هذه الحال ستدفع المصارف للمودعين، لكن المشكلة ان اي طرف لا يريد ان يكفل الاخر ولا ان يدفع متوجباته الى الطرف الاخر، وعلى هذا المنوال ستذهب المصارف ومعها اموال المودعين. وتالياً، كيف يمكن ان ينهض هذا الاقتصاد ويعود هذا البلد من دون القطاع المصرفي والمودع؟
ورداً على سؤال، قال حمود ان التدقيق الجنائي كشف عن حجم الخسائر وحَدّدها وحمّل المسؤوليات، لكن الدولة حمّلتها للمودعين بدليل انه خلال سنوات الأزمة الاربع مَن «راحَت عليه» غير المودع، فالمصارف مستمرة بعملها والدولة مستمرة وتتأقلم مع الواقع برفع الرسوم والضرائب بما يتناسب مع سعر الصرف، ومصرف لبنان مستمر، بينما المودع لا يستطيع ان يدفع قسط مدرسة او جامعة اولاده من مدّخراته، وحتى لو ارتفع سعر دولار المصارف في الفترة المقبلة وحددت السحوبات الشهرية 100 او 150 دولارا كحد اقصى، بماذا سينفع هذا المبلغ المواطن طالما انه لن يتمكّن من الحصول على كامل امواله قبل 30 عاماً، وخلال هذا الوقت سيستمر ببيع وديعته بهيركات ليتمكن من العيش. من غير المقبول ان تتركز الاذية والخسارة على المودع فقط.
وكشف حمود ان الهدف من اجراء التدقيق الجنائي كان الكشف عن «ألاعيب ما» تَمّت في حسابات مصرف لبنان، ولمّا لم يحصل ذلك لم يعيروا نتائجه اهتماما.
وتابع: رمي كل التهم على مصرف لبنان وتحميله كامل المسؤولية عن الأزمة غير مُنصف، وقال: لمصرف لبنان وجهان، الأول: وجه سياسة نقدية وفي هذا لا يمكن لأحد التكلم عن السياسة النقدية التي اتّبعها الحاكم لأنّ ما فعله يدخل ضمن صلاحياته، كما لا يمكن لأيّ قاضٍ ان يقول له ما اذا كانت السياسة التي اتّبعها صحيحة ام خاطئة. اما الوجه الثاني فهي الاتهامات الشخصية التي تُساق ضده وهذا يدخل ضمن التحقيق القضائي لذا لا يمكن لأحد التدخل به.
اما عن البيانات المالية الصادرة مؤخرا عن مصرف لبنان والتي حدّد فيها الديون المتوجبة على الدولة وكأنه تبنّى نتائج تقرير الفاريز اند مارسال، فيقول حمود: يعمل مصرف لبنان الى حد ما بشكل مُبهم، فهو يحاول إعلامنا انه لا يستطيع معالجة الأزمة طالما الدولة غير قادرة على تغطية الديون المتوجبة عليها، والمادة 113 من قانون النقد والتسليف واضحة في هذا الخصوص لجهة أنّها تنصّ على أنّه في حال كانت هناك خسائر في مصرف لبنان ولا يملك الاحتياطي المطلوب، على خزينة الدولة تغطية هذه الخسائر، الا انّ المشكلة تكمن في كَون الدولة ترفض تَحمّل ذلك وتدعو المركزي ليتدبّر أمره مع المصارف.