يطرح الدعم الرسميّ والإعلامي الأمريكي-الأوروبي للعدوان الإسرائيلي الهمجي على الفلسطينيين في غزّة والضفّة الغربيّة، وبشكلٍ غير مسبوق في حديّة اصطفافه، علامات استفهام حول مستقبل “حل الدولتين ” وكأن القضية الفلسطينية اصبحت صَدَقَة.
منذ 75 عاماً من الصراع العربي الصهيوني، اتخذت الانطمة العربية من القانون الدولي ومواثيق الامم المتحدة وشرعيتها ومؤسساتها ومقرراتها، سبيلا وعبر تلك الأعوام، لم يُنتج هذا الخيار سوى الهزيمة والارتهان.
أنهت حرب طوفان الأقصى شهرها الثاني وشرّعت الإدارة الاميركية باستخدامها حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن ضد مشروع قرار دولي تقدمت به دولة الإمارات العربية المتحدة لوقف إطلاق النار، ووضع حد أمام إستمرار المجزرة الإسرائيلية الفاشية المفتوحة ضد المدنيين العزل في غزة .
خلال هذا الوقت وفي ظل التواطؤ الدولي والخذلان العربي شرّع نتنياهو على تمرير جرائمه كيف استطاع الكيان الصهيوني تمرير جرائمه ضد الأطفال والنساء والشيوخ في غزة والتي اهتزت معها أركان ما سمي بالقانون الدولي واتفاقيات حقوق الإنسان.
ان نظرة سريعة قد تمكننا من مقاربة بعض السلوكيات التي تُختبر كل يوم على أرض فلسطين المحتلة وتثبت ما آلت اليه مجموع المبادئ التي أفرزها المجتمع الدولي ما بعد الحرب العالمية الثانية متجسداً في منظمة الامم المتحدة لحفظ الأمن والسلم الدوليين، ودرء مخاطر نشوب حرب عالمية جديدة، وقد تبلورت تلك الترتيبات في اتفاقية يالطا بين القوى العالمية الثلاث، الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
لكن هذا التقاسم الدولي الذي عكس موازين قوى عالمية جديدة وعلاقات قوى أفرزتها نتائج الحرب العالمية الثانية، سرعان ما اختبر في عدد من بقاع الارض حيث رأينا فشل الأمم المتحدة في الحرب الكورية، في درء خطر الحرب والتصدي للتدخل الأمريكي السافر في شبه الجزيرة الكورية. ومنذ الغزوة الأمريكية لكوريا، تبلور المفهوم الاميركي للشرعية الدولية: حق الأمم القوية في دحر الأمم الضعيفة، وسلب الأمم الضعيفة الحق في المقاومة، أي الحق في أن تناطح الأمم القوية. لكن الانظمة العربية التي قبلت قرارات الشرعية الدولية في العام 1947 بخصوص تقسيم فلسطين، ثم قبلت قرارات الشرعية الدولية في العام 1967، وتحديداً القرار 242 ثم القرارين 425 و 1701 بخصوص لبنان ما زالت تحاضر عن الشرعية ومقرراتها، ماذا يعني هذا؟
حين تعلن هذه الانظمة التزامها بمقررات الشرعية الدولية، فإنها تعلن التزامها مباشرة بحق الكيان الصهيوني في الوجود،واستمرار جرائمه ضد الجغرافيا العربية التي صُنع ليتوسع على حسابها، وضد فلسطين المحتلة تحديدا التي تعتبر “إسرائيل ” كيانا عنصريا يمارس صهيونيته الدموية على أساس العرق والمذهب والدين.هناك من ارتضى من العرب بفكرة “حل الدولتين”، وعلى هذه القاعدة أُبرمت اتفاقية أوسلو التي افرزت سلطة فلسطينية، قامت في ظلها، مستوطنات على كامل اراضي الضفة الغربية وصارت مهمتها الاساسية تقوم على تصفية حركات المقاومة في الضفة التي رفضت القبول بالأمر الواقع للاحتلال، وعدم اعترافها بإضفاء الشرعية الدولية على الكيان واستمراره ومجازره، فما كان من المقاومة الفلسطينية إلا أن رفضت الارتهان لمجلس الأمن ، وللنظام العالمي بقيادة الولايات المتحدة الاميركية الذي لم يأبه لأن شعباً يتم قتله يومياً وتُدنس مقدساته بهمجية القرون الوسطى .
هذا الشعب أنتفض اليوم على كل اشكال الخيانات المتتالية بحق قضيته، وقد قرر القتال بكل ما توفر له من قوة وعتاد ضد ما سمي بالشرعية الدولية التي هي شرعية الارهاب التي تكفل لآلة التدمير والقتل الاسرائيلية الحق بانتهاك كل مادة من مواد الميثاق العالمي لحقوق الإنسان من دون أن يهتز الضمير العالمي امام مجازر قصف المستشفيات ودور العبادة وحصار المدنيين وحرمانهم من الماء والوقود وتجويع الاطفال وعدم السماح بعلاج الجرحى والمصابين وضرب المناطق السكنية بالأسلحة المحرمة دوليا،وفرض التهجير، والإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين.
تلك هي الشرعية الدولية التي تحت أعلامها تذبح فلسطين ويقصف اهلها الحقيقيين بالصواريخ والسلاح المحرم ويمارس فيها الرجل الأبيض حقده الدفين ومجزرته القديمة ضد سكان الأرض .