تتواصل الحرب على قطاع غزّة وعند الجبهة الجنوبية في لبنان منذ 72 يوماً، من دون أن يُحقّق العدو الإسرائيلي أي من أهدافه المعلنة. في الوقت الذي لا يزال فيه الأميركي يعطي المزيد من الوقت لحليفه لاستكمال ارتكاب المجازر الوحشية ضدّ الفلسطينيين، بحجّة القضاء على الإرهاب من وجهة نظره، في الوقت الذي يُحاول فيه تنفيذ مخططه الكبير المتمثّل بتصفية القضية الفلسطينية وتهجير الفلسطينيين من قطاع غزّة، بهدف إراحة “الإسرائيلي”. علماً بأنّ تحرير فلسطين من شأنه ليس فقط إنصاف القضية الفلسطينية، إنّما إراحة دول المنطقة من عبء استضافة اللاجئين الفلسطينيين على أراضيهم، لا سيما لبنان والأردن ومصر وسواها.
ولكن رغم ذلك لا يزال الموقف العربي ضعيفاً تجاه حرب غزّة، ولم يتمكّن حتى الساعة من فرض وقف العدوان الإسرائيلي على القطاع، ما خلا الهدنة الإنسانية التي لم تدم سوى سبعة أيّام، وتضمّنها تبادل عدد من الأسرى والرهائن. الأمر الذي يؤكّد، على ما تقول مصادر سياسية مواكبة، أنّ الدول العربية لا تزال “أسيرة” المواقف الغربية، ولا يمكنها بالتالي إنقاذ غزّة أو دولها من المخطط الأميركي المرسوم للمنطقة.
وتكشف المصادر نفسها بأنّ المؤامرة الدولية التي تديرها الولايات المتحدة، تتمحور حول تصفية القضية الفلسطينية والإجهاز على حركة حماس وتهجير الشعب الفلسطيني الى سيناء والأردن، وعدم ترك أي مقوّمات للعيش في القطاع، لكي يُصبح مجبراً على مغادرة أرضه. وتسعى أميركا الى شطب الهوية الفلسطينية وتهويد كامل فلسطين، ويتناسب ذلك مع المشروع الصهيوني.. من هنا تسعى لإطالة الحرب على غزّة، لأنّه كلّما طالت وتواصل تدمير مبانيها ومدارسها ومستشفياتها (11 مستشفى يعمل اليوم في غزّة فقط من أصل 36 وبإمكانات ضعيفة)، تُصبح فرصة عودة الفلسطينيين الى أرضهم من الدول المجاورة مثل لبنان والأردن ومصر معدومة أكثر، الأمر الذي يريح “الإسرائيلي” ويُشجّعه للإستيلاء على كامل الأراضي الفلسطينية وتهويد القدس.
غير أنّ هذه المؤامرة لم ولن تنجح، على ما شدّدت المصادر، لأسباب واعتبارات عدّة، أهمّها:
1- القدرات البشرية والعسكرية التي لا تزال تمتلكها حركة حماس والمقاومة الإسلامية، وتكفيها لأشهر طويلة بعد.
2- صمود الشعب الفلسطيني الذي يرفض هذه المرة مغادرة أرضه، بعد أن تعلّم من تجربة العام 1948.
3- الإحتجاجات الشعبية والسياسية التي تتعاظم في الدول الغربية والأوروبية في محاولة للضغط على الحكومات، وقد نجحت في تغيير موقف بعضاً من دولها تجاه ضرورة وقف العدوان الإسرائيلي على غزّة.
4- الغضب الفلسطيني والشعبي من الاداء الأميركي الذي يظهر في جميع دول العالم في حال واصلت الولايات المتحدة دعمها “للإسرائيلي” لاستكمال مجازره ضدّ الإنسانية والإبادة الجماعية والتطهير العرقي. وهذا الغضب مرشّح لأن ينقلب عليها في المرحلة المقبلة، إذا لم يتوقّف إطلاق النار في غزّة بشكل دائم.
وبرأي المصادر إّنّ ما يُحاول الأميركي تقديمه اليوم كمخرج للخروج من الحرب وحفظ ماء وجه “الإسرائيلي”، بعد أن بدأ يتأثّر بالتظاهرات المندّدة بالحرب على غزّة، أي تأكيده على أنّ الهدف ليس احتلال غزّة، إنّما العودة الى حلّ الدولتين، هو خدعة لم تعد تنطلي على أحد. فالأميركي يعلم أنّه طالما بقي العدو في قطاع غزّة، فإنّ قوّاته ستبقى تتعرّض للإعتداءات والمضايقات من قبل الفلسطيني.
أمّا طرح حلّ الدولتين، فتعتبره المصادر فخّاً، كون الولايات المتحدة هي أكثر من يُدرك رفض “الإسرائيلي” له، كما لاتفاق أوسلو، وإلّا لما كان يُمعن في حربه على غزّة لتهجير الشعب الفلسطيني واحتلال ما تبقّى من أرضه. أمّا الغاية من هذا الطرح والإيحاء بأنّها موافقة عليه، فهو تظهير الإنقسامات الفلسطينية إذ تقبل منظمة التحرير الفلسطينية به، فيما ترفضه حركة حماس، فضلاً عن زعزعة الوحدة الفلسطينية التي تتجلّى في كلّ عملية تقوم بها المقاومة، وآخرها في عملية طوفان الأقصى.
من هنا، لا يأخذ الفلسطينيون بالطروحات الأميركية، على ما أشارت المصادر عينها، لأنّ الهدف منها تضليل الرأي العام، وإعطاء المزيد من الوقت “للإسرائيلي” لاستكمال مشروع الإبادة الجماعية وتهجير الفلسطينيين. علماً بأنّ الأميركي يبحث اليوم عن حلّ يستطيع من خلاله إخراج “الإسرائيلي” من حرب غزّة، من دون أن يظهر مهزوماً على المستوى السياسي، كونه لم يُحقّق أي من أهدافه حتى الساعة، رغم تمكّنه من تدمير ثلث قطاع غزّة، وقتل وجرح أكثر من 70 ألفاً من سكّانه.
أمّا المقاومة الفلسطينية، فتسعى موحّدة لفرض شروطها، على ما عقّبت المصادر، المتمثّلة بوقف العدوان الإسرائيلي على غزّة والخروج العسكري منها، وإطلاق سراح الأسرى أي تبييض السجون “الإسرائيلية”. فيما يعمل الأميركي لإفشال الإنجاز الذي حقّقته حماس، إلّا أنّه سيرضخ في النهاية لشروطها، إذا استمرّ وقوع الخسائر البشرية في صفوف الجنود الإسرائيليين.
المصدر:”الديار – دوللي بشعلاني”
**