يبدو الكيان الاسرائيلي ضعيف الحيلة ومحدود الخيارات، على المستوى العسكري المحض، أمام حرب الاستنزاف التي استدرجه اليها «حزب الله» على الحدود مع فلسطين المحتلة، فلا يبقى أمامه سوى الاستهداف المتكرّر للمدنيين والصحافيين، من دون أن يكون قادراً على تغيير الواقع الاستراتيجي المُستجد الذي فُرض عليه في الشمال.
منذ 8 اوكتوبر ينفّذ الحزب استراتيجية خاصة به، تتميز بالمرونة الميدانية والهوامش المتحركة تبعاً لمقتضيات المواجهة وَتطورها على الأرض، انما مع تفادي ان يكون البادئ في الانزلاق الى ما بعد حافة الهاوية، بل يمكن الاستنتاج عبر رصد مسار المعركة منذ بدايتها، أنّ الحزب يسعى الى أن يستثمر قوته القتالية على هذه الحافة حتى آخر سنتمر فيها، من غير ان يقفز فوقها، وهي معادلة يعتبر القريبون منه انها كناية عن خلطة تجمع بين الحكمة والحنكة.
أمسك «حزب الله» بنيامين نتنياهو من اليد التي تؤلمه، فهو مقيد الحركة شمالا وغير قادر على شن عدوان واسع ضد لبنان. أولاً لأنّ اولويته القصوى هي غزة التي يتخبط في رمالها المتحركة ويفضّل ان يتفرّغ لها قدر الإمكان، وثانياً لأنّ واشنطن تضبط انفعالاته وتلجم جموحه كلما بَدا لها انه قد يَجنح نحو خوض مغامرة عسكرية كبيرة، خصوصا انه ليس في مصلحة الولايات المتحدة توسيع الحرب لاعتبارات عدة، وهذا هو فحوى مهمة الموفد الأميركي آموس هوكشتاين الموجود في تل أبيب لضمان بقاء جبهة لبنان تحت السيطرة.
ومن المعروف انّ الحزب لم يستخدم بعد سوى جزء قليل من قدراته العسكرية، وهو لا يريد تحت الضغط ان يستعجل في لعب كل أوراقه، خصوصاً ان الحرب على غزة قد تطول.
واللافت انّ الحزب، وبعد مرور نحو 45 يوما على اندلاع حرب غزة، لا يزال المُمسك بزمام المبادرة عند الحدود الجنوبية. وبالتالي، لا يزال في موقع الهجوم والفعل معظم الاحيان، بينما يبدو العدو الاسرائيلي في موقع الدفاع ورَد الفعل.
ومن الواضح أنّ الحزب يصنع حالياً في الجنوب تجربة قتالية لا تشبه غيرها، بحيث انها تختلف عن تلك التي خاضها خلال فترة إنجاز التحرير من 1982 حتى 2000 وفي عدوان تموز 2006 والحرب السورية. ما يجري في الجنوب حالياً يبدو أقرب الى حرب مواقع تُخاض في الإجمال بين جيوش كلاسيكية وليس بين جيش ومقاومة. ولهذا احتاج الحزب الى بعض الوقت في البداية حتى تمكن من «رَكلجة» الجبهة والتكيّف مع متطلباتها المستجدة.
وأبعد من خط النار الذي ورث الخط الأزرق على امتداد الحدود، يمكن التقدير بأنّ الحزب استفاد على المستوى الاستراتيجي من مجريات عملية «طوفان الأقصى» ونمط الرد الاسرائيلي عليها.
وليس خافياً انه كان يخطط لِما يشبهها في الجليل، وبالتالي فإنّ هجوم حركة حماس على غلاف غزة ثم العدوان الوحشي على القطاع سيخضعان، بعد انتهاء الحرب، الى مراجعة على مستوى الحزب وكل محور المقاومة لاستخراج الدروس والبناء عليها مستقبلاً.
المصدر:”الجمهورية – عماد مرمل”
**