التشبّث بالأرض، العقيدة والإيمان، قوة الشكيمة والذكاء الفلسطينيين، العمل السري، عنصر المفاجأة معطوفاً على الفشل الاستخباراتي للاحتلال… عوامل اجتمعت كي ينتصر أبطال غزة في 7 تشرين الأول/أكتوبر وما بعده…فماذا عن السيناريوهات؟
مع انقضاء شهر على ملحمة “طوفان الأقصى” والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وشروع “جيش” الاحتلال بالتوغّل البري الفاشل، يمكن القول بإيجاز، إن المقاومة الفلسطينية هي “المنتصرة”، طالما هي صامدة مرابطة ملتحمة مع العدو من “مسافة صفر”.
التشبّث بالأرض، العقيدة والإيمان، قوة الشكيمة والذكاء الفلسطينيين، العمل الفدائي السري، عنصر المفاجأة معطوفاً على الفشل الاستخباراتي للاحتلال… عوامل اجتمعت كي ينتصر أبطال غزة في 7 تشرين الأول/أكتوبر وما بعده…
مفاجآت متتالية لملحمة “طوفان الأقصى”
ولـ “ملحمة طوفان الأقصى” مفاجآت متتالية لم تنضب على مدى شهر، ومن المؤكّد أن الستارة لم تسدل بعد عنها. المقاومة قدّمت منظومة “رجوم”، وهي صواريخ قصيرة المدى من عيار 114 ملم، استخدمت للتغطية على عبور المقاومين إلى مستوطنات الغلاف والمواقع العسكرية الإسرائيلية.
كما اعتمدت وحدة “سرب صقر” العسكرية، التي تضم طائرات مظلية، ساعدت على التسلل الجوي إلى المستوطنات، وصعقت المقاومة العدوَ بطائراتٍ مسيّرة تسقط القذائف لتدمير الرشاش الإسرائيلي المعروف الشهير باسم “يرى ويطلق” شرقيّ غزة.
وحتى الساعة، تمطر المقاومة وبقوة مواقع الاحتلال ومستوطناته بالصواريخ، في “أحجية” تحيّر الإسرائيلي الذي ألقى حتى الآن ما يعادل قنبلتي “هيروشيما” و”ناغازاكي” فوق غزة، ومع ذلك لم يفت للمقاومين عضداً.
جواً، أطلقت المقاومة طائرات مسيّرة من طراز “الزواري” باتجاه أهداف إسرائيلية، وفي العملية العسكرية، وظهرت صواريخ “كورنيت” و”الياسين 105″ حيث استخدمت في تدمير مدرعة “النمر” ودبابات الميركافا الإسرائيلية.
“قد تبدو المواجهة بين قذيفة محمولة على الكتف ودبابة ذكية ضخمة مواجهة غير عادلة، فالدبابة تصل تكلفتها إلى 6 ملايين دولار وصنعتها كبرى الشركات العالمية، في حين أنّ القذيفة صنعت محلياً في غزة، مع ذلك، فإنّ النهاية في هذه المواجهة غير متوقّعة”، بحسب الخبير في الشؤون الدفاعية والدبلوماسية جوناثان ماركوس.
ولا ننسى أن منظومة الدفاع الجوي “متبّر” أدّت دوراً في عمليات استهداف الطائرات الإسرائيلية، وهي عبارة عن صواريخ أرض ــــ جو محلية الصنع.
“فيروس الهزيمة” لدى الاحتلال
يؤكد الكاتب المتخصص في الجيوبولتيك والدراسات الاستراتيجية اللواء المتقاعد د. حسن حسن “للميادين نت” أن ما أنجزته المقاومة الفلسطينية في غزة يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر “أقرب إلى الإعجاز منه إلى الإنجاز، وسيتحوّل إلى مادة بحثية ودراسية في مناهج الكليات والأكاديميات العسكرية، ومراكز الدراسات الاستراتيجية، فدخول المقاومين من غزة إلى المستعمرات الإسرائيلية كان صفعة كبيرة فاقت كلّ تصوّر ممكن، فـجيش الاحتلال ظهر ضعيفاً وهشاً ولا يستطيع حماية نفسه، ما حمل فيروس الهزيمة وبالتالي فقدان ثقة المستوطنين به، ومهما بلغت القوة الجوية والصاروخية المعادية من طاقة تدميرية حتى ولو حوّلت غزة إلى أرض محروقة ومهدّمة، فهذا لا يعني تحقيق حتى المهمة المباشرة تمهيداً للانتقال إلى المهمة اللاحقة، أي السيطرة الآنية على مسرح العمليات فعلياً”.
ويوضح أن “طبيعة الجغرافيا العمرانية لغزة تزيد من صعوبة إمكانية اقتحامها برياً، حيث الكثافة العمرانية الكبيرة، والأبنية المتلاصقة والشوارع الضيقة، كما أن تحوّل قسم كبير من البناء في غزة إلى ركام يزيد من صعوبة الاقتحام لعدة أسباب، ويجب ألّا ننسى أن المقاومين يعرفون كل متر مربع في غزة ويمكنهم التحصّن وأخذ تموضعهم القتالي الأنسب الذي يمكّنهم من إنزال خسائر فادحة في صفوف القوات المعادية المهاجمة”.
عمى استطلاعي وخداع عملياتي
من الناحية اللوجستية يمكن القول إن “جميع محاولات الاستطلاع بالنار التي نفذّها جيش الاحتلال لم تحقّق هدفها، ولم يستطع الحصول على أيّ معلومة عن مقارّ قيادات المقاومة، ولا محاور تحرّك المقاومين على الرغم من امتلاكه أحدث تقنيات الرصد والاستطلاع والتجسس والمتابعة، وهذا يدخله في حالة العمى الاستطلاعي التي قد تتحوّل إلى خداع عملياتي ممنهج وكفيل باستدراج القوات المتقدّمة، أو التراجع إلى تخوم غزة من دون توغّل”، يضيف حسن.
وإذ يرى الكاتب أن “ما أسفرت عنه عملية طوفان الأقصى تؤكد أن المقاومين قد اتخذوا كل الإجراءات المطلوبة قبل إعلان الساعة صفر”، وبالتالي من المهم الإجابة عن سؤال: “ماذا في اليوم التالي بعد اقتحام المستعمرات؟ وهذا يفسّر قلة الخسائر البشرية في صفوف المقاومين”.
ويتابع إن “جيش الاحتلال حاول أكثر من مرة في الأعوام السابقة الدخول إلى غزة بقواته البرية، وكان الفشل مصير محاولاته، وكذلك سيكون الإخفاق المدوي وتآكل ما تبقّى من قوة ردع وهالة للتخويف والرعب”.
“يبقى أن نقطة ضعف المقاومين في غزة هي الأطفال والنساء، وبقية الأهل الذين يشكّلون حاضنة شعبية قلّ نظيرها في العالم، وهنا نسجّل أنه على الرغم من هول الفظائع والجرائم وحرب الإبادة لم يخرج صوت غزاوي واحد يطلب من المجاهدين التوقّف عن القتال، أو يلومهم على ما فعلوه”، وفق تعبيره.
العقل الاستراتيجي المبدع يحمي الأنفاق
وعن خطر ما تمّ تداوله في وسائل الإعلام الإسرائيلية عن إمكانية استهداف الأنفاق بالغازات السامة أو إغراقها بالمياه، يرى حسن للميادين نت أن “هذا غير مستبعد لو كان بإمكان العدو تنفيذه، وفي الوقت نفسه لا شك في أن العقل الاستراتيجي المبدع الذي خطط ونفّذ ملحمة طوفان الأقصى قد وضع كلّ السيناريوهات المحتملة على الطاولة، ومن المسلّم به في التفكير الاستراتيجي أن القرار يبنى على أسوأ خيار يمكن أن يتخذه العدو، وعلى ضوء مثل هذا القرار تكون بقية الخطوات التنفيذية اللاحقة”. ويكمل “طالما إمكانية الحياة متوفرة ولو بأقل من الحدود الدنيا فغزة تستطيع الصمود فوق الأرض وتحت الأرض ليس لعدة أيام أو أسابيع أو أشهر، بل لسنوات شريطة توفّر مقومات الحياة وبخاصة الطعام والشراب والمنظومة الصحية”.
من المفاجآت المنتظرة
وحول دور محور المقاومة في المعركة “يمكن القول إن ما تملكه إيران أو أي طرف من أطراف محور المقاومة من قوة صاروخية هو في خدمة بقية الأطراف بشكل عام، واليوم مراكز الدراسات الاستراتيجية الكبرى تصنّف إيران في المراتب العالمية الأولى للقوة الصاروخية والطائرات المسيّرة بمختلف أنواعها ومهامها المتعددة”.
ويفصّل “كشفت إيران عن صواريخ من طرازات مختلفة ومديات متعددة، ومنظومات دفاع جوي وطائرات مسيرة، يضاف إليها قدرات المقاومة العراقية واليمنية وإمكانية إحداث تغيير جذري في اللوحة الميدانية المتشكّلة.
وتدرك واشنطن وتل أبيب أن لدى أطراف محور المقاومة ما يمكّنهم من إغلاق المياه الإقليمية من مضيق جبل طارق حتى الشواطئ الشرقية للبحر المتوسط، ومن مضيق باب المندب حتى قناة السويس، ومن خليج عُمان ومضيق هرمز حتى البصرة في جنوب العراق”.
حزب الله والأساطيل الأميركية
وإذا ما أردنا مناقشة دور حزب الله، يضيف اللواء المتقاعد، “يكفي أنه أرغم الاحتلال الإسرائيلي على تخصيص ثلث جيشه للتوجّه إلى الشمال خوفاً من توسّع العمليات القتالية التي فرضها الحزب”.
“كما أنه وعندما يصل الموقف الرسمي الأميركي إلى درجة أن القوات المسلحة الأميركية ستتدخّل وتكون طرفاً في الحرب إذا تدخّل حزب الله، فهذا اعتراف رسمي بأن قوة حزب الله مكافِئة للقوة الأميركية رغم أساطيلها وبوارجها وحاملات طائرتها ومدمّراتها”.
“الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله حدّد آلية التفكير الاستراتيجي المعتمد من قبل المقاومة بشكلٍ عام، وقد يكون بعض المزاج الشعبي أو في الشارع يتمنّى رفع السقوف في وجه الولايات المتحدة الأميركية والذهاب أكثر، لكن موضوع اتخاذ قرار الحرب ليس نزهة، واتخاذ قرار الحرب مسؤولية، هذه المسؤولية كبيرة لا يمكن اتخاذها إلّا بشكلٍ جماعي”، يعقّب اللواء حسن.
تحييد قدرات الأساطيل
ويشدّد د. حسن على أن نصر الله رفع السقف المشروط، عندما قال إن الأساطيل لا تخيف حزب الله ومحور المقاومة، ويضيف وقد أعددنا لها ما يلزم، هذا الغموض البنّاء ليفسّر كل متابع بالشكل الذي يريده. إذاً هذه البوارج تمّ إعداد ما يلزم لتحييد قدرتها على التهديد، وبالتالي إذا كان المقصود التهديد فهذا تهديد مردود على أصحابه .
ويعتبر أن إمكانية توسّع ساحة الصراع مشروطة بنقطتين، النقطة الأولى أنه إذا تمّ توسيع دائرة الاستهداف الإسرائيلي في الداخل اللبناني فهذا يعني أنها قد تتوسّع وقد تخرج عن السيطرة، والنقطة الثانية هي الإصرار على القضاء على حماس في غزة وهذا هدف غير قابل للتحقّق
ختاماً، يرى الكاتب من وجهة نظر شخصية أنه “ليس هناك أي جهة لها مصلحة بتوسيع دائرة الصراع القائم إلا نتنياهو واليمين الأكثر تشدّداً وعنصريةً وتطرّفاً معه، لأنهم يغلّبون مصالحهم الشخصية حتى على مصالح الكيان، لأنهم يعلمون أن ما ينتظرهم هو المحكمة والسجن، أما بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية والحلف الأطلسي وغيره، وحتى محور المقاومة فقد لا يكون الآن الوقت الأنسب لتوسيع دائرة الصراع”.
المصدر:”الميادين – عبدالله ذبيان”
**