حتى الآن، لا أحد يملك أي إثبات ملموس لوجود «مؤامرة» في ما فعلته شركة «توتال» وستفعله في بحر لبنان. ومن المحتمل جداً أن لا تكون الحفّارة قد عثرت فعلاً على الغاز، في هذه النقطة تحديداً، التي نفّذت فيها عملية الحفر، في البلوك 9.
ولكن، يتردّد أيضاً في بعض الأوساط أنّ «توتال» نفسها لم تكن في الأساس راغبة في دخول سوق التنقيب والاستخراج في لبنان في هذه الظروف، لأنّها تدرك المصاعب التي ستعترضها في تعاطيها مع فريق السلطة القائم حالياً في لبنان. فهذا الفريق سيمعن في ممارسات الفساد التي اعتادها، وسيُورّط الشركة في تعاملات تنعدم فيها الشفافية. وهذا الفريق سيزداد تعنتاً في مسار الفساد عندما يحصل على مليارات الدولارات السهلة ويستخدمها لإسكات الجميع وإخضاعهم وتثبيت نفوذه.
ويقول أصحاب هذه الفرضية إنّ «توتال»، عندما وافقت على الدخول في استدراج العروض في لبنان، كانت تستجيب لطلب الرئيس إيمانويل ماكرون الراغب في تثبيت موقع قيادي لفرنسا في ورشة الغاز اللبنانية. لكن الشركة بقيت، في العمق، متردّدة.
عند التوقيع، قيل إنّ «حزب الله»، الذي كان المفاوض الحقيقي، وافق على الاتفاق، وما رافقه من تنازلات من الخط 29 إلى الخط 23، لأنّه موعود بمليارات الدولارات التي ستتدفق على البلد، وتكون في يد السلطة التي يتولاها اليوم. ولكن، في الجهة الأميركية والإسرائيلية، قيل إنّ الترسيم كان بداية لتفاهم حول مستقبل المناخ الأمني على الحدود، وأنّ الخطوة التالية ستكون ترسيم الحدود برياً. ولذلك، جاء الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين، قبل أسابيع، إلى لبنان بالتزامن مع انطلاق الحفر في البلوك 9، وأعلن بدء المفاوضات لترسيم الحدود براً. ولم يظهر أي صوت اعتراض في الداخل اللبناني.
فإما أنّ إسرائيل والولايات المتحدة عمدتا إلى خداع «الحزب»، بعدما وقّع الاتفاق العام الفائت وأتاح الباب لإسرائيل لكي تسحب الغاز من آبارها المحاذية لبحر لبنان، وإما أنّ الحزب أخلّ بالتفاهمات الأمنية عندما اضطر إلى تحريك الجبهة جنوباً، لإلهاء إسرائيل وإخافتها من فتح الجبهة الشمالية، بموازاة الجبهة الجنوبية مع «حماس».
ليس واضحاً أنّ «حزب الله» قطع وعداً للولايات المتحدة بتحييد نفسه عن أي نزاع عسكري على الحدود، في مقابل الحصول على امتياز استخراج الغاز والتعاطي معه كصاحب القرار الأول في لبنان الرسمي. لكن المؤكّد أنّ إسرائيل كانت تراهن على تحقيق هذا الهدف، وهي لذلك بدت مستعجلة ترسيم الحدود البرية أيضاً.
السؤال الحقيقي في الجنوب هو اليوم: هل يستعد الطرفان، إسرائيل و»حزب الله»، للدخول في عملية خلط أوراق كاملة وإعادة صياغة لقواعد الاشتباك، على إيقاع الحرب في غزة، أم إنّهما «سيلتزمان حدودهما» مهما ارتفعت حرارة اللهب في غزة، وأياً كانت نتائجها.