“امام مجازر العدو المتوحش
وتواطؤ المجتمع الدولي الذي يدفن العدالة كل يوم،لا اعرف لماذا نضحك على طلابنا ونعلمهم القانون الدولي الانساني..في هذا العالم البربري: القانون هو القوة ..والعدالة تصنعها المقاومة واليد القابضة على الزناد التي تعرف كيف واين ومتى ترد..”.
القاضي عرفات شمس الدين
ما شهدته غزة على مدار الأيام الماضية، ولا تزال، من مجازر وتدمير وجرائم يندرج في خانة العدوان الاسرائيلي الغاشم والإبادة الجماعية، بحق الشعب الفلسطيني بدليل مجزرة المستشفى المعمداني التي ذهب ضحيتها خمسمائة شهيد،بينهم موظفون دوليون ينتمون إلى مؤسسات الصليب الأحمر والهلال الأحمر والأمم المتحدة.
تتعرض غزة لحرب اجرامية على مرأى ومسمع دول بعضها متآمر وشريك وبعضها الآخر يقف متفرجاً بسبب خيانتها او عجزها عن وضع حد للارهاب الاسرائيلي الذي تسقط معه كل القوانين الدولية والمواثيق الأخلاقية وحقوق الإنسان.
الحروب لها قواعد نصّت عليها إتفاقيات جنيف الأربعة وبروتوكولاتها، والتي شكّلت مضمون القانون الدولي الإنساني، وذلك بهدف الحد من همجيتها وحماية المدنيين والجرحى والأسرى وغيرهم. يرتكز القانون الدولي الإنساني على مبادئ عدة، لم تحترمها إسرائيل. أهمها:
أولاً:مبدأ التمييز بين المدنيين والمقاتلين ومبدأ حظر مهاجمة الأشخاص المدنيين وكل الذين لا يشاركون في القتال. وهذا ينطبق على المناطق السكنية في غزة التي تدمرها اسرائيل فوق رؤوس قاطنيها وتنطبق ايضا على أولئك الجرحى والمصابين والمرضى الذين كانوا يتلقون العلاج في مستشفى المعداني ومعهم المدنيين الذين لجأوا إلى هذا المستشفى للإحتماء به بوصفه مكاناً آمناً. فإسرائيل تركز عملياتها التدميرية على المدنيين الأبرياء وتتعمد تدمير المنازل و المستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس دون ان تميز بين مواقع عسكرية ومدنية ولا تضع أي اعتبار لما ينص عليه القانون الدولي في هذا الخصوص.
ثانياً:مبدأ حماية الضحايا وحظر التسبب بالمعاناة، وهذا أيضاً غير ملحوظ عند نتنياهو التي قررت حكومته فرض “حصار شامل” على غزة، حيث حرم الغزاويين من الكهرباء والطعام والماء والوقود والماء وعملت إسرائيل على قطع شبكة الانترنت عنهم ومنعت وصول المساعدات الطبية والغذائية التي لا غنى عنها لبقائهم على قيد الحياة.
إسرائيل ومعها الادارة الاميركية يرفضون التقيد بكل ما تنص عليه القوانين الدولية ويتعاملون مع السكان المدنيين على أنهم أهداف مشروعة، وتعرض حياتهم للخطر سواء كان بالقصف او الجوع او العطش او قطع الدواء وحرمان الجرحى والمرضى والمصابين من الرعاية الصحية .
ثالثاً:مفهوم الممرات الإنسانية لجهة إمكانية وصول المساعدات الإنسانية إلى منطقة فيها حرب عن طريق المنظمات الإنسانية كالصليب الأحمر الدولي. فاتفاقيات جنيف للعام 1949 تُلزم الدول في زمن الحروب ببعض الواجبات؛ فالمادة 23 من الاتفاقية الرابعة تطرح مبدأ “حرية مرور المساعدات المتضمنة الأدوية والمواد الصحية والأغذية والثياب، للسكان المدنيين”.
لا شك أن إسرائيل لا يحق لها منع الممرات الإنسانية ولا تملك سيادة على غزة ليكون قرار فتح الممرات الإنسانية يتطلب موافقتها كما حصل مع دول أخرى شهدت أزمات على أرضها وضمن إقليمها. أما في حالة قطاع غزة فالمسألة تتعلق بعدوان يقوم به الطرف الإسرائيلي على قطاع غزة الذي هو جزء من الدولة الفلسطينية ويتعرض لحصار مشدد منذ 15 عاماً.
ما نعيشه اليوم مع الغزاويين على ارض فلسطين المحتلة هو جريمة حرب وابادة جماعية تستوجب تحرك دولي وفقا للقاعدة 144 من قواعد بيانات القانون الدولي الإنساني في مجال كفالة إحترام الجميع للقانون الدولي الإنساني والتي نصت على أنه “يجب ألا تشجع الدول انتهاكات القانون الدولي الإنساني من قبل أطراف النزاع المسلح. ويجب أن تمارس نفوذها، إلى الحد الممكن، لوقف انتهاكات القانون الدولي الإنساني”.فمن باب المسؤولية الدولية للحفاظ على السلم والأمن الدوليين والحد من التوتر في مجال العلاقات الدولية كيف يمكن أن نفسر مواقف الادارة الاميركية والعديد من الدول الغربية في تخليها عن دور الوسيط النزيه الذي لطالما كان سبباً في الحد من التوترات الدولية ومنع تفاقم العديد من الأزمات الدولية.
القانون الدولي الإنساني حقيقة موجودة كما أن تاريخ إسرائيل في خرق القوانين الدولية حقيقة جلية تثبتها دماء الأبرياء ومآسي العوائل الثكلى والدمار الشامل الذي تسببت به الآلة العسكرية الإسرائيلية.
يبقى أن الحقيقة الثابتة والمؤسفة تتمثل في عجز المجتمع الدولي عن الزام إسرائيل تطبيق القوانين الدولية وعدم محاسبتها، لكن المعادلة الأهم ان “طوفان الأقصى” لم يهزم إسرائيل فقط، مهما دمّرت وقتلت وهجّرت، بل هزم منطق الكثيرين من العرب ،وهذا هو الحدث الذي لا عودة عنه. حدثٌ مؤسس. وسيؤسس حتما لمستقبل افضل.
**