الحشد الدولي المستمر لتغطية جرائم العدو في قطاع غزة لا يبدو أنه كافٍ لتوفير ضمانات بنجاح أي حملة برية ضد القطاع، فيما الجرائم الوحشية ضد المدنيين لا تسعف العدو في تحصيل السقوف السياسية العالية، ما ينقل النقاش إلى مستوى جديد يتعلق بالاستعداد لعملية برية.
وبمعزل عن الدعم العملاني المفتوح الذي يقدّمه الغرب بقيادة أميركا للعدو، لا يزال الإرباك يسود قيادة جيش الاحتلال إزاء آلية شنّ العملية البرية وموعدها، خصوصاً أن البحث عن أجوبة حول الكلفة المتوقّعة، لا يزال عند حدود المدة الزمنية التي يتطلّبها الهجوم، وسط مخاوف من ردود فعل تتجاوز ما تعدّه المقاومة في القطاع، إلى ما يمكن لقوى محور المقاومة أن تقوم به من خارج فلسطين.
وفي هذا السياق، علمت «الأخبار» أن كل قوى محور المقاومة، على امتداد الدول العربية والإسلامية، ثبّتت في الأيام القليلة الماضية آليات العمل المتعلقة بتوفير أعلى مستوى من «الدعم الفعّال» للمقاومة في فلسطين. وتشكّلت مجموعة من غرف العمليات المشتركة التي تتابع الأوضاع الميدانية لناحية الأعمال اليومية والإستراتيجية إضافة إلى النشاط السياسي. كما تبلورت مجموعة كبيرة من الخطط، ما أشاع مناخاً إيجابياً انعكس على أداء مجموعة من فصائل المحور وفي أكثر من ساحة.
وخلال الساعات الـ 36 الماضية، كانت قوى المحور تترجم ذلك إلى خطوات عملية. فإلى المواقف السياسية الرافضة لطلبات الغرب بوقف دعم غزة، نُفّذت سلسلة من العمليات العسكرية المتناسقة بين ساحات عدة. فقد واصلت فصائل المقاومة في فلسطين توجيه الصواريخ إلى عمق الكيان، وتحديداً تل أبيب، وأطلقت مجموعة من المقاومة صاروخ «كورنيت» على مدرّعة للعدو شرق خان يونس. وفي الوقت نفسه، وجّهت «كتائب القسام» ضربة صاروخية من لبنان باتجاه المستعمرات الإسرائيلية الشمالية، فيما كانت «سرايا القدس» تفجّر عبوات ناسفة في طولكرم موقعة قتلى وجرحى في فرق العدو من المستعربين. في غضون ذلك، واصل حزب الله عملياته التي تستهدف «تعمية جيش الاحتلال» على طول الحدود مع لبنان.
كذلك تعرّضت قيادة قوة المدرّعات في جيش الاحتلال لضربة قاسية، بعدما تمكّن حزب الله من تجاوز عملية التدريع الحديثة لدبابات ميركافا وتدمير عدد غير قليل منها، بينها الدبابة «الملكة» التي تحظى بتدريع خاص مع أجهزة تشويش لتعطيل صواريخ «كورنيت». وكان لافتاً في الأيام القليلة الماضية أن المقاومة استخدمت الـ«كورنيت» بكثافة، ما حوّله إلى «سلاح فردي»، ما يعكس وجود مخزون هائل من هذه الصواريخ في حوزتها، فضلاً عن أنها لم تستخدم بعد كل أنواعه.
بالتزامن، فعّلت غرفة العمليات المشتركة لقوى المقاومة العمل في ساحات أخرى. فقد بادرت مجموعة من فصائل المقاومة العراقية بتوجيه ضربات متلاحقة بالمُسيّرات ضد قواعد أميركية في العراق وسوريا وأوقعت إصابات مباشرة فيها، قبل أن تعلن الولايات المتحدة عن اعتراض قطعها البحرية صواريخ أطلقها أنصار الله، ولم تحدد بدقة هدفها هذه الصواريخ، وما إذا كانت تستهدف البوارج الأميركية أم نقاطاً عسكرية داخل فلسطين المحتلة. فيما أفادت إذاعة الجيش الإسرائيلي بأنّ «مسؤولين إسرائيليين يؤكدون لنا أنّ عدداً من الصواريخ انطلقت من اليمن واستهدفت إسرائيل، وهي بين صاروخين وخمسة».
كما استهدفت «المقاومة الإسلامية في العراق» بالقذائف والطائرات المُسيّرة قاعدة التنف على المثلث الحدودي بين سوريا والعراق والأردن. وأعلنت المقاومة نفسها شنّ هجوم بطائرة مُسيّرة على قاعدة «عين الأسد» غرب بغداد، بعد يومين من تعرّض القاعدة نفسها لهجوم مماثل بطائرات مُسيّرة، بالتزامن مع هجوم آخر على قاعدة «حرير» في شمال العراق. وسُمع ليل أمس دويّ انفجارات قوية في ذيبان والحوايج وحقل العمر وسط تحليق مكثّف للطيران المُسيّر فوق المنطقة. وفي الوقت نفسه، جرى تفجير خط الغاز الواصل إلى معمل «كونيكو» للغاز الطبيعي، والذي يسيطر عليه جيش الاحتلال الأميركي كقاعدة له في الريف الشمالي لدير الزور، شرق سوريا.
وعلمت «الأخبار» أن التنسيق العملاني بين قوى المقاومة يستهدف تحديد الخطوات الواجب اتخاذها لاستنزاف العدو على أكثر من جبهة، وإفهام العدو الأميركي بأن تهديداته ضد قوى ودول المقاومة سيُقابل بعمل مباشر وليس بالكلام فقط. وقد ترافق ذلك مع استنفار أمني أميركي وإسرائيلي غير مسبوق، وإغلاق عدد من البعثات الدبلوماسية في أكثر من دولة في المنطقة، فيما دعت وزارة الخارجية الأميركية رعاياها في العالم إلى الحذر خشية تعرّض مصالحها لضربات انتقامية جرّاء موقفها الداعم للعدو في فلسطين. وهو ما بادرت إليه إسرائيل نفسها التي طلبت من رعاياها العودة مباشرة إلى تل أبيب، كما طلبت من حكومات دول عديدة عربية وإقليمية اتخاذ الإجراءات الكفيلة بعدم التعرّض لمقراتها ومواطنيها جراء التعبئة الكبيرة في الشارع العربي والإسلامي.
سقوف أميركية للعملية البرية
إلى ذلك، ضجّت إسرائيل أمس بأنباء عن صدور القرار بإطلاق العملية البرية والطلب من الجيش تقديم خطط مفصّلة ليصادق عليها المستوى السياسي. ويتّضح من المعطيات والمواقف والإجراءات أن الموقف الأميركي صار حاكماً للقرارات الإسرائيلية، خصوصاً أن ما سُرّب عن نتائج اجتماعات الرئيس الأميركي جو بايدن مع المسؤولين الإسرائيليين أول من أمس، كشف أن واشنطن «توفّر دعماً سياسياً وعسكرياً كبيراً لإسرائيل، وستمنع صدور أي قرار عن أي مؤسسة دولية يدعو إلى وقف إطلاق النار أو إلى تقييدها»، لكنّ الأميركيين طلبوا في المقابل من قادة العدو أن تكون أهداف الحرب البرية واقعية وقابلة للإنجاز. ونقل إعلام العدو رداً للرئيس الأميركي على قول أحد وزراء العدو: «بأن لا مفرّ من العملية البرية»، بدعوته إلى تحديد غايات عملية كهذه. كما صرّح بايدن علناً أنه لم يقل أبداً لقادة إسرائيل بأن الجيش الأميركي سينضمّ إلى القتال ضدّ حزب الله إذا بدأ الأخير حرباً استباقية ضدّ إسرائيل.