منذ اشتعال الأزمة قبل سنوات، يهوي هذا البلد من انحدار إلى انحدار وكأنّه يزحل من مكانه، واللبنانيون التوّاقون الى الخروج من جهنّمها كيفما كان، هَزمهم معطّلو الحياة في لبنان، وحكموا عليهم بالدوران حول أنفسهم في متاهة خيبات متتالية، كانت فاتحتها سقوط رهانهم على الشعارات الكبرى التي طرحت للتغيير والتطوير، وكان لكلّ خيبة منها ثمن باهظ يدفعونه وجعاً وجوعاً وقلقاً من انحدار أكبر الى واقع أفظع.
وعلى ما تؤكد وقائع المشهد الداخلي ومجرياته، مسلسل الخيبات متواصل، وها هي نُذر خيبة جديدة تلوح في الأفق القريب، بسقوط الرّهان على فرصة حوار في شهر ايلول المقبل، أتاحها الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان للتوافق على رئيس للجمهورية، خصوصاً انّ الكلمة الفصل كانت وما زالت للمعطّلين.
واذا كانت السفارة الفرنسية في بيروت قد بدأت بتسلم أجوبة عن السؤالين الواردين في رسالة لودريان، من قبل اطراف اعلنت موافقتها على المشاركة في الحوار باعتباره سبيل التوافق الوحيد على رئيس، فإنّ جبهة رفض الحوار واسعة وشاملة لكلّ التوجهات السياسية والنيابية التي تصنف نفسها سيادية واستقلالية وتغييرية. وتعتبر ان لا جدوى من حوار مع «حزب الله». وهو الأمر الذي يشكّل، كما يقول مرجع مسؤول لـ»الجمهورية»، مقتلاً لهذا الحوار واعداماً لفرصة توافق قد لا يتكرّر مثلها في المدى المنظور».
وأضاف: «بحسب معلوماتي فإن الفرنسيين شعروا بخيبة كبرى ممّا أحاط رسالة لودريان من ردود سياسية سلبية من قبل البعض، والموفد الفرنسي نفسه عَبّر عن استياء بالغ من المنحى لا يساهم في إحباط آخر فرصة لتوافق اللبنانيين على رئيس للجمهورية. ولكن في مطلق الاحوال فإنّ الموفد الفرنسي سيأتي في بداية ايلول، وسيسعى لإنقاذ مهمّته، لكنّ الجوّ العام كما نراه في هذه الفترة لا يبعث على التفاؤل».
وقال: «بناء على ما صدر من اعتراضات، فإنّ المؤشرات سلبية، فثمة أطراف قررت المقاطعة المسبقة للحوار، وتبعاً لذلك لا أعتقد انّ لودريان يستطيع ان يتجاوز هذه الاعتراضات والمقاطعات، أو يكمّل مهمّته في اتجاه عقد «حوار بمَن حضر». خصوصاً انّه يريد حواراً يشمل كلّ الاطراف المعنية بالملف الرئاسي، وهذا الحوار اصلاً، وتبعاً للمواقف المتناقضة، حظوظ تمخّضه عن ايجابيات ضئيلة جدا، فكيف مع غياب مكوّنات سياسيّة عنه؟
وفي الافق، كما يقول المرجع عينه، احتمالان، الأول أن تأتي الخطوة التالية بإعلان النعي لمهمة لودريان وصَرف النظر عن الحوار مع تحميل معطّلي الحوار المسؤولية والتبعات. اما الاحتمال الثاني، فهو اتخاذ خطوة نوعيّة لا يُتوخّى منها إنجاح مهمّة لودريان بقدر ما تكون خطوة مقرونة بإجراءات قاسية لحفظ ماء الوجه، خصوصاً انّ فشل هذا المسعى يشكّل خيبة فرنسية بالدرجة الاولى، قبل ان يكون خيبة لشركاء فرنسا في اللجنة الخماسية.
ويخلص المرجع الى القول: في مطلق الاحوال، المسألة باتت مسألة ايام قليلة، وسينكفىء الفرنسيون وستخرج اللجنة الخماسية نفسها من الملف الرئاسي، وما علينا في هذه الحالة سوى أن نحضّر أنفسنا لِتلقّي ما سيتدحرج علينا من تداعيات.
واذا كانت الاعتراضات السياسية قد حكمت على حوار لودريان بالفشل المُسبق، سواء الفشل في الانعقاد، او الفشل في الخروج بتوافق إن انعقد، فإنّ ذلك يفتح على سؤال كبير: ماذا بعد؟ واي مرحلة سيدخلها لبنان ما بعد هذا الفشل؟
واللافت في هذا السياق، انّ المقاربات السياسية المختلفة لمرحلة ما بعد فشل حوار ايلول، تتقاطَع عند نظرة شديدة السوداوية للواقع اللبناني، وقلقه من «بنك تداعيات سلبية» ستحكم لبنان لفترة طويلة، وتدفع الشعب اللبناني أثماناً باهظة فوق طاقة تحمّله.
وعلى ما تقول مصادر سياسية مسؤولة لـ»الجمهورية» فإنّها تخشى من واقع مرير ومخيف يتهدّد لبنان على كلّ المستويات، ويلقي باللبنانيين في مهبّ توتّرات وعواصف سياسيّة وأمنيّة واقتصادية ومالية واجتماعية ومعيشية، تطوق الواقع اللبناني بفلتان وفوضى شاملة خارج نطاق السيطرة. واما الضحية الكبرى فهي رئاسة الجمهورية التي ستطول إقامتها في مربّع الفراغ، حيث ان انتخاب رئيس للجمهورية برغم ضرورته وأولويته، قد يصبح امرا ثانويا جدا امام ما قد يشهده البلد من عواصف ومطبّات.
**