لم يكن حزب الله قاصرا عن حماية شاحنته التي سقطت عند كوع الكحالة، منذ ايام، ولكنه وتفاديا للخوض باشتباك مع أهالي المنطقة، وخصوصا المسلحين المدربين منهم المتلقين الأوامر بالهجوم، استدعى الجيش ليكون حاكما وحكما بينه وبين اهالي الكحالة، وتحديدا بعد سقوط مواطنين لبنانين، بغض النظر عمن اعتدى ومن المعتدى عليه، ضحيتي الشحن الطائفي واللتين تضافان الى مئات الضحايا الذين سقطوا للأسباب ذاتها وأحداث الطيونة شاهدة.
الأمر لم يكن مفاجئا، أن يقف الجيش الى جانب الحزب الذي حمى حدود لبنان بالتعاون معه، وفرض على المحتل الاسرائيلي معادلة ردع لا يتجرأ بعدها على ارتكاب الحماقات؛ او التفكير باجتياح كما حصل في العام 1982 أو في حرب شاملة كما حدث في تموز 2006.
وما صدر عن قيادة الجيش من بيان في أعقاب الحادثة، وتحديدا بشأن حمولة الشاحنة كان واضحا ولا لبس فيه، اذ أكد فيه أن الحمولة كانت عبارة عن ذخائر، واكد المؤكد وهو أن سلاح حزب الله وتسليح عناصره هو أمر مكفول في القوانين اللبنانية، خصوصا أن هناك أراضي ما زالت محتلة في لبنان هذا اولا، وثانيا الاعتداءات الاسرائيلية حتى اللحظة لم تهدأ، والعدو يتحين الفرصة من أجل الانقضاض على لبنان، ولعل تجريد الحزب من سلاح نزولا عند رغبة بعض الناكرين للجميل المرتبطين بالخارج، هو غاية آمال الاسرائيلي للعودة.
في مشهد الكحالة كما في غيره، كان الجيش حريصا كذلك على نقل الصورة من أرض الواقع بحرفيتها دون تحريف، خصوصا أن الملاحظ انه كانت هناك قنوات حضرت الحدث فقط لتؤلف قصصا كاذبة، وقد تبين فيما بعد أنها تحمل التهم الى ارض الحدث جاهزة معلبة، موضبة ، لذا كان لزاما على الجيش أن يضع حدا لبعض التجاوزات غير المقبولة من قبل بعض الصحفيين الذين زادت حشريتهم عن حدها ورغبوا في الاقتراب من الشاحنة وفحص حمولتها لمزيد من التجييش.
وعلى الرغم من كل محطات الاصطدام بين الجيش والمقاومة في الماضي، في ايلول 1993 وفي مار مخايل 27 كانون الثاني 2007 كما في احداث حي السلم وصولا الى آب 2008، الا ان المقاومة كانت وما زالت الداعم الأول للجيش، وكما شهدت العلاقة حوادث تصادمية، شهدت كذلك اختلاطا للدماء في ايلول 1997؛ وفي معركة فجر الجرود ضد الارهاب.
وعلى طول مسيرة الأربعين ربيعًا، وما حصّنها هو التعاون والتنسيق المتبادل وتحقق عبرها التحرير الاول، ثم التحرير الثاني الذي عد إنجازا وطنيا بامتياز، تتويجا لهذه المسيرة المشتركة من المواجهة والمقاومة بين الطرفين.
الولايات المتحدة لا يناسبها شكل العلاقة هذا، وتريد أن يكون الجيش اللبناني شرطة لحماية الأمن الصهيوني وأن يواجه أي صوت وطني بالداخل يعترض على هذا السلوك. لذلك فإنها تسلّحه بما يتلاءم مع هذه الوظيفة الأمنية، ولكنها تقف عائقًا أمام كل سلاح تحتاجه المؤسسة العسكرية للقيام بوظيفتها الوطنية لمواجهة العدو في سياق المعادلة الذهبية.
هذا وأظهر التعاطي مع الاحداث الامنية التي كان يراد لها ان تنحى منحى طائفيا، أن قيادة الجيش كانت على قدر من الوعي والمسؤولية لتجنيب البلاد الانجرار الى الفتنة، وهذا بالتحديد ما فعلته في تعاطيها مع احداث الكحالة، وذلك لا يعني ابدا انها تنفذ اوامر حزب الله على حساب اللبنانيين، وكان واضحا انه لو تصرف الجيش بطريقة اخرى لكانت الامور ذهبت الى نقطة اللاعودة.