غداً، تحل ذكرى التفجير الكارثي الذي دمر مرفأ بيروت ونكب العاصمة قبل ثلاث سنوات، والمُفجع أنه صار مجرّد ذكرى؛ الحقيقة جُهِّلَت، والقتلة المجرمون ما زالوا مفلتين من العقاب. وما هو أفظع من جريمة تفجير المرفأ، هو التسليم بنتائجها الكارثية واعتبارها انها أصبحت من الماضي؛ ثلاث سنوات مرّت، وكأن هذه الجريمة قيّدت ضد مجهول، حيث انّها سحبت من جدول الاولويات الداخلية، ولم يعد لها أثر، والمنحى الذي وضعها على رفّ الإهمال، وادخلها في دهاليز التسييس والتمييع والاستثمار السياسي، وحتى النسيان، وقدم بذلك خدمة جليلة للقتلة، وما زال هو الحاكم، وليس ما يؤشّر، لا الآن ولا في المدى المنظور ولا في المدى الطويل، الى مقاربة جريئة ومسؤولة وجدية له، تثأر للشهداء والجرحى والمتضررين، وتميط اللثام عن خفايا ومسببات ما صنفت كواحدة من أفظع الجرائم التي شهدتها البشرية، وعمّن يقف خلفها. «الجمهورية»، اذ تنحاز الى الضحايا، وتواسي ذوي الشهداء، وتتعاطف مع الجرحى المنكوبين ومعاناتهم اليومية، وتنتصر لمطالبات المتضررين الذين فقدوا كلّ شيء، فإنّها تجدّد تموضعها، ومهما طال الزمن، في الخط النقيض لكلّ منحى او محاولة أيّاً كان مصدرها، لطمس هذه الجريمة، حتى إنصاف المنكوبين بجلاء الحقيقة ومحاسبة المجرمين.
تحلّ الذكرى الثالثة لزلزال المرفأ، وفصول الجريمة المتمادية تتوالى، بحقّ وطن منكوب صار مجرّد اسم، ودولة صارت هيكلا بلا حياة، ضيّعها الإفلاس السياسي، وصدّع أسسها واسقط مؤسساتها وجرّدها من مقومات استمرارها، ورهنها لأهواء وحسابات ومنازعات حاقدة وشعارات كاذبة واجندات ارتزاق من هنا وهناك، وعقليات عابثة بحاضر اللبنانيين ومستقبلهم، ثبت للقاصي والداني انها عقليات سامة، معادية لبلدها، وقاتلة لفرص الانفراج وكلّ المحاولات الآيلة الى انعاش هذا البلد وتمكينه من استعادة حيويّته والتقاط انفاسه.
والانتظار السلبي هو سيّد الموقف تجاه جريمة تفجير مرفأ بيروت، لعل ظروفاً ما قد تنشأ مستقبلاً وتحرّك هذا الملف في اتجاه كشف الحقيقة وتحديد المجرمين.
**