واضح أنّ معظم السيناريوهات التي يتم تداولها، في ملف حاكمية مصرف لبنان، يجري تسريبها قصداً، بهدف إطلاق البالونات الحرارية أو القنابل الدخانية أو أي نوع من الرسائل. فما يعني القوى السياسية النافذة هو أن يبقى الملف المالي والنقدي تحت سيطرتها التامة، كما هو منذ 30 عاماً وأكثر، وكما هو خصوصاً منذ 17 تشرين الأول 2019.
ليس سرّاً أنّ الحاكم رياض سلامة، الذي تنتهي ولايته بعد أيام، أدارَ خلال ولايته حسابات الجمهورية ومسؤوليها وإدارييها وزعاماتها السياسية والاقتصادية والطائفية. وهو في النهاية وصل بالبلد إلى الانهيار لأنه نفّذ هذه المهمة. ولهذا السبب، لا يأمل أي جهاز قضائي أوروبي أو دولي في تحويل سلامة إلى العدالة خارج لبنان. فالقوى الداخلية التي تعايَشت مع الحاكمية ونهجها على مدى 3 عقود لن تسمح بانكشاف ما جرى. وسبيلها إلى ذلك هو إبقاء سلامة قيد «العدالة المحلية» التي يُديرها «أهل البيت».
أيّاً يكن السيناريو الحقيقي الذي يحضّره ذوو النفوذ بالنسبة الى ما يتعلق باستحقاق الحاكمية، هناك هدف واحد، وهو إدخال لبنان في فصل جديد من الأزمة المالية والنقدية المستمرة منذ نحو 4 سنوات.
فعندما انفجرت الأزمة في خريف العام 2019، تضامنت القوى النافذة من سياسية وطائفية واقتصادية ومصرفية لِتحفظ مصالحها في الدرجة الأولى، ولو وصلَ الانهيار بالبلد إلى القعر. وهذه القوى وقفت حائلاً دون اعتماد المجلس النيابي قانوناً طارئاً للكابيتال كونترول، ورفضت أي «هيركات» مُقَونن على الودائع، وابتكرت تدابير لا مثيل لها في العالم، أبرزها التعاميم الصادرة عن مصرف لبنان، والتي صَبّت نتائجها إجمالاً في خدمة قوى السلطة والمال.
إذاً، بانتهاء ولاية سلامة، سيكون هدف القوى إياها ما يأتي:
1 – الحؤول دون وصول أي حاكم الى المصرف المركزي «من خارج السرب»، ويمارس نهجاً مزعجاً لقوى النفوذ، أو يتخذ خطوات تؤدي إلى كشف أسرار الـ30 عاماً.
2 – التمديد لنهج سلامة إذا كان متعذراً التمديد لشخصه. ونواب الحاكم يدركون جيداً أن هذا ما ينتظرهم إذا تولّوا المسؤولية في أول آب.
3 – وهذا هو الأهم، الاستفادة من الموعد الزمني الذي يفرض نفسه، أي موعد انتهاء ولاية سلامة والوصول إلى واقع يَتّصِف بالإرباك قانونياً، من أجل اتخاذ إجراءات وقرارات معينة تبحث قوى السلطة عن تبرير لإمرارها من دون اعتراض أحد داخلياً وخارجياً، أو بحدّ أدنى منه.
وهذه المعطيات قد تكون اقتصادية – مالية أو سياسية.
في الدرجة الأولى، يعوّل أركان السلطة على نتائج إيجابية في ملف التنقيب عن الغاز، يحتمل أن تظهر قبل نهاية العام الجاري. فإذا حصل ذلك، تنتعش قوى السلطة و»تشتري» استمرارها بأموال الغاز. أما في السياسة، فتعوّل قوى السلطة، كما دائماً، على انفراجات إقليمية ودولية قد تؤدي إلى إعادة الاعتبار إلى هذه القوى وفك الحصار المضروب عليها.
ويمكن الاستنتاج أن أي صيغة سيتم اعتمادها في الحاكمية لن تكون سوى فصل جديد في مسار الانهيار. وعلى الأرجح سيكون هذا الفصل هو الأخير، بمعنى أن نهايته سترسم مستقبل الأزمة في لبنان.