فيما غاب السفير السعودي الوليد البخاري عن السمع بعد عودته الى بيروت، سيكون المبعوث الفرنسي اكثر وضوحا مع القوى التي وقفت في وجه التسوية الفرنسية، وستكون اولى مهامه ايصال «رسالة» مفادها ان بلاده وحدها من تضع على راس جدول اعمالها الملف اللبناني، ولا يجب ان يعيش احد وَهم احتمال تدخل قوى اقليمية او دولية للمساعدة في الوقت الراهن، في ظل زحمة الملفات وسخونتها في المنطقة والعالم. ولان باريس تعتبر لبنان جزءا مهما من نجاح او فشل سياستها الخارجية، ولها علاقة مميزة مع هذا البلد، لا تريد ان يبقى بعيدا عن الاستفادة من المد الايجابي الراهن، ولا تريد تفويت الفرصة السانحة كي يكون مجددا على «سكة» الخلاص.
وسيكون لودريان واضحا في نقل موقف سعودي «متعاون» في المرحلة المقبلة، وهي كلمة استخدمها ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان امام الرئيس ايمانويل ماكرون عندما طرح الملف اللبناني بعناوينه العامة دون الدخول في التفاصيل، خلال اللقاء الثنائي الذي عقد بين الرجلين، حين اختصر ابن سلمان الكلام بالقول «سنتعاون مع جهودكم الحالية في هذا الملف»، وهي جملة اعتبرها الفرنسيون مؤشرا ايجابيا، دفعت بالرئيس الفرنسي الى الطلب من طاقمه الخاص بالملف اللبناني الدخول اكثر بالتفاصيل مع الجانب السعودي بعد زيارة لودريان الى بيروت.
الحضور المسيحي؟
وانطلاقا من جلسة التعادل السلبي الاخيرة في البرلمان، سيحاول ان يحصل من تلك القوى على وجهة نظرها في كيفية الخروج من المأزق الحالي، اي ما هو البديل عن الاقتراح الفرنسي عمليا، وليس طروحات نظرية لا يمكن ان تجد لها مكانا على ارض الواقع؟ ووفقا للاوساط الديبلوماسية نفسها، سيكون ملف الحضور المسيحي في الحياة السياسية اللبنانية مادة رئيسية مع القوى المسيحية الوازنة في البرلمان، لا يكفي برأيها ان تجتمع هذه الكتل على سلبية رفض ترشيح سليمان فرنجية، دون ان تكون لها اجندة ونظرة واضحة ومتفق عليها حيال مستقبل وحضور المسيحيين في التركيبة اللبنانية المقبلة، على مرحلة جديدة لا ترتبط فقط بالاستحقاق الرئاسي وانما بطبيعة الدولة التي ستولد على انقاض الانهيار المالي والاقتصادي.
تنتظر باريس ان تحصل على اجابات محددة تتجاوز الاتهامات لدورها في تجاوز الاجماع المسيحي رئاسيا، الى ما هو اهم بكثير من ذلك، ويتعلق بماهية دورهم المستقبلي، خصوصا انه لا يوجد في السياسة «هدايا» مجانية، واذا كانت الاجوبة عن الاسئلة الصعبة غير متوافرة حاليا، والمتعلقة بطروحات المؤتمر التأسيسي، او الاستعداد لاجراء حوار في الخارج او الداخل، وكذلك الموقف من الاصوات التي تنادي بالفدرالية، فان ما يأمل لودريان في الحصول عليه يرتبط بماهية الثمن الذي يمكن لهذا لقوى ان تدفعه في اي «سلة» متكاملة لا بد منها لاخراج البلاد من النفق المظلم؟
المصدر:”الديار – ابراهيم ناصر الدين”
**