يدرك أركان السلطة، والأقوى فيهم «حزب الله»، أنّ قرار صندوق النقد الدولي والبنك الدولي هو في واشنطن أساساً. ويعرف «الحزب» أنّ الصندوق هو إحدى أدوات الضغط الأميركية عبر العالم. ولذلك، تفضّل المنظومة تجنّب الوقوع في أحضانه. لكن للضرورة أحكاماً، ما دام الصندوق هو الممر الإجباري للمساعدات.
انتقلت منظومة السلطة إلى خطة بديلة: تتصل بالصندوق وتفاوضه على خطة معينة، وعندما يتعب من المفاوضة ويدخل الوسطاء على الخط، يصبح مستعداً للقبول بحدّ أدنى من الشروط، أي ببنود إصلاحية غير موثوق فيها أو صورية. وحينذاك، يتمّ الحصول على المال من الصندوق، بلا ثمن مدفوع. ولذلك، وقّعت السلطة اتفاقاً مبدئياً معه، على مستوى الموظفين.
وما يؤكّد هذا الكلام هو أنّ الطاقم السياسي- المالي الممسك بالسلطة يستهلك في ثلاثة أشهر أو أربعة، أكثر من مجمل ما يمكن أن يحصل عليه من الصندوق على مدى سنوات. فاحتياط مصرف لبنان من العملات الصعبة كان يزيد على 38 مليار دولار قبل 17 تشرين الأول 2019، وقد بات اليوم أقل من 10 مليارات. ما يعني أنّ 28 ملياراً أُهدرت خلال 3 أعوام ونصف العام، بمعدل 8 مليارات سنوياً، عدا المبالغ التي تمّ الحصول عليها من الخارج خلال هذه الفترة، تحت عناوين النازحين السوريين ومواجهة «الكورونا» وحقوق السحب الخاصة من صندوق النقد.
وثمة من يقول داخل السلطة: لقد اقترب الفرج، والتسوية الإقليمية ستُترجم داخلياً وتنتهي الأزمة. ولضرورات سياسية ستعود المساعدات التي توقفت للضرورات إيّاها قبل سنوات، أي مساعدات مؤتمر «سيدر» في العام 2018. وحينذاك لن نحتاج إلى الصندوق ولن تلزمنا أمواله. نحن لا نريد منه قرشاً واحداً، عندما تعود إلينا المساعدات العربية. ونعتقد أنّ العرب، كما سيشاركون في إعادة إعمار سوريا، كذلك سيساهمون مجدداً في إخراج لبنان من الأزمة، فنعود إلى ما كنا عليه قبل تشرين 2019.
وحتى «يوم القيامة» ذاك، وجدت منظومة السياسة والمال طريقة بسيطة لتمويل نفسها من الداخل. فهي في موازاة استهلاك ما تبقّى من الودائع والتصرّف بالأموال التي تحصل عليها، تواصل الاستثمار في أموال المغتربين والسياح، في مواسم الصيف والشتاء، وفي الأعياد.
في الانتظار، يشغل موظفو صندوق النقد أنفسهم بالأفكار الإصلاحية «الخلاّقة» مع الطاقم اللبناني. لكنهم «يتعذبون ع الفاضي». فالمنظومة «خلاّقة» أكثر منهم بكثير، بل هي طويلة التجربة وشديدة الاحتراف في مجال المال. وهي تراهن على أنّ المال سيأتيها بسهولة من مكان آخر، وبكميات أكبر.
المصدر:”الجمهورية – طوني عيسى”
**