كتبت صحيفة الديار تقول: حالة من الترقب والحذر رئاسيا ترافق عطلة عيد الفطر انتظارا لما بعدها، خارجيا، حفلة من النفاق المفضوح بعدما خرجت باريس عن صمتها واعلنت عبر خارجيتها انه ليس لديها مرشح رئاسي بعينه، وهو موقف في توقيت لافت، لكنه يحمل شبهة دبلوماسية لها مبرراتها، لكنها لا تجوز على احد لان ما يدور في «الكواليس» عكس ذلك، والقاصي والداني، بات يدرك ان البند الوحيد المطروح للنقاش هو «المقايضة» المطروحة فرنسيا، فرنجية –سلام، لكن الفرنسيين شعروا برهبة «حرق المراحل» ويسعون لانضاج «الطبخة» لا حرقها ولا يرغبون باي استفزاز علني لاي من القوى الاقليمية المعنية وفي مقدمتها السعودية وكذلك واشنطن التي ابلغت مساعدة وزير الخارجية بربارة ليف وفدا نيابيا لبنانيا يزور واشنطن ان بلادها ترفض تدخل اي دولة في الانتخابات الرئاسية.
والى ان تتضح معالم المناورة الفرنسية الجديدة، تعود موسكو بعد عطلة العيد الى زخم الاتصالات الداعمة للتسوية الفرنسية وقد نوقش الامر على مستوى وزراء الخارجية مع السعوديين فيما تبدو الدوحة وحيدة تبحث عن خيار ثان يبدو متعثرا في غياب القدرة على جمع المعارضين لفرنجية على اسم واحد لوضعه فوق «الطاولة»، بعد تراجع الرهان على امكان تسويق قائد الجيش العماد جوزاف عون.
واذا كان «خصوم» فرنجية قد تحمسوا للبيان الفرنسي، فان المتحمسين والداعمين لرئيس تيار المردة يشعرون بان ظروفه باتت افضل بكثير بعد اتفاق بكين والزخم الفرنسي القائم حاليا، لكنهم يفضلون التريث كما رئيس مجلس النواب نبيه بري المتفائل جدا، لكنه يجدد التاكيد امام زواره على قاعدته الذهبية «لا تقول فول ليصير في المكيول». اما على الضفة الاخرى، فبرزت اشارات لافتة من القوى السياسية الرافضة للتسوية وآخرها ايحاء «معراب» بامكان تأمين النصاب لجلسة انتخاب فرنجية اذا ما تغير الموقف السعودي، وذلك من خلال ابقاء «الباب مواربا» وعدم حسم الجواب النهائي مسبقا فيما يجري رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع مروحة اتصالات تشمل الرياض ليبني على الشيء مقتضاه في اطلالته الاعلامية الاحد المقبل. فيما تبقى»العين» على موعد القمة العربية المزمع عقدها في السعودية في ١٩ أيار المقبل، كمحطة مفصلية في الاستحقاق اللبناني.
باريس «بوجهين»!
ففي موقف لافت، لا ينسجم مع طبيعة الحراك الفرنسي سواء عبر السفيرة آن غريو، او المستشار الرئاسي باتريك دوريل، أكّدت وزارة الخارجية الفرنسية أنّ باريس «ليس لديها أيّ مرشّح في لبنان» لرئاسة الجمهورية. وقالت المتحدثة باسم الوزارة آن-كلير لوجاندر خلال مؤتمر صحافي انه «على اللبنانيين اختيار قادتهم وعلى الجهات اللبنانية تحمّل مسؤولياتها وكسر الجمود السياسي لانتخاب رئيس جديد بسرعة». وأشارت الوزارة إلى أنّ فرنسا تجري اتصالات كثيرة مع الجهات السياسية لبنانية.
ماذا تخشى فرنسا؟
ووفقا لمصادر مطلعة، فان الموقف الفرنسي العلني ليس مفاجئا ولا يغير من حقيقة ما يقال فرنسيا في «الكواليس» مع كل الاطراف اللبنانية، لكنه يعكس «امتعاضا» فرنسيا من تسريب مضمون الاتصالات مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، ولا ترغب في حرق المراحل. ولهذا لا ترى المصادر، ان ذلك يعني تراجع باريس عن دعمها لمقايضة رئاسة فرنجية برئاسة حكومة يتولاها نواف سلام، وانما صدور هذا الكلام مرده الى عدم رغبة الفرنسيين بالظهور على نحو «فج» بعد الاعتراضات الصاخبة من القوى المسيحية الرئيسية، وكذلك لا تريد باريس ان تتحمل مسؤولية فشل التسوية في حال لم تتمكن من تسويقها، ولهذا تراجعت «خطوة الى الوراء» لفظيا فقط، ولا تزال المبادرة على زخمها، مع العلم ان فرنجية ليس مرشح فرنسا وفي هذا قالت الخارجية الفرنسية الحقيقة!
هل يعقد اللقاء «الخماسي»؟
وقبيل الموقف الفرنسي الرسمي اشارت مصادر دبلوماسية الى ان باريس تضغط لعقد اجتماع خماسي لكن على مستوى وزراء الخارجية هذه المرة لمنح الاجتماع الجدية المطلوبة للحسم وهي تأمل ان يعقد خلال أسبوعين أو 3 أسابيع لتظهير الحلول وعرض تسوية سليمان فرنجية – نواف سلام على نحو تفصيلي ويجري الحديث عن سلة متكاملة ترضي الجميع وتشمل رئاستي الجمهورية والحكومة، والتعيينات وحاكمية مصرف لبنان والخطوات الاصلاحية المطلوبة، اما في ما يتعلق بالهواجس السعودية تجاه حزب الله، فالامر بات اسهل بالنسبة للفرنسيين لأن ترتيب هذه العلاقة وتبديد الهواجس لم يعد على عاتقهم بل تسوى الامور مع الايرانيين مباشرة.
موسكو على خط الدعم
في هذا الوقت، حصلت باريس على دعم لمبادرتها من موسكو التي ستنضم بعد عيد الفطر الى الجهود الرامية الى تسويق «المقايضة» مع السعودية، ووفقا لمصادر دبلوماسية، حصل تشاور روسي – صيني على مستوى مسؤولين في الخارجية وتحادث مساعد وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف مع مسؤول كبير في الخارجية الصينية لمحاولة تنظيم جهد مشترك لتحريك «المياه الراكدة» على الساحة اللبنانية. وعلم في هذا السياق، ان الملف جرى بحثه في الاتصال الاخير بين الرئيس بشار الاسد ونظيره الروسي فلاديمير بوتين وكذلك بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره السعودي فيصل بن فرحان. ووفقا للمصادر، فان موسكو تعتبر فرنجية الرجل الانسب للمرحلة الحالية لانه قادرعلى مدّ جسور التواصل مع كل الأطراف من جهة وكلّ الدول من جهة أخرى. ولهذا تدعو موسكو الأطراف اللبنانية للابتعاد عن التجاذبات وضرورة انهاء الشغور الرئاسيّ، وتحذر ايضا القوى السياسية من دفع لبنان اثمان باهظة اذا لم يستفيدوا مستفيدين من المناخ الايجابيّ في المنطقة الذي يمكن ان يساعد ايضا على حل ازمة النزوح السوري.
واشنطن وسياسة «النأي»
وفي سياق متصل، لم تستغرب مصادر مطلعة على الموقف الاميركي موقف مساعدة وزير الخارجية الاميركية باربرة ليف امام وفد نيابي لبناني يزور واشنطن والتي اكدت ان بلادها ضد تدخل اي دولة في الانتخابات الرئاسية اللبنانية، ولفتت الى انه استمرار لسياسة الادارة الاميركية «بالنأي بالنفس» عن الاستحقاق الرئاسي، وقد ظهر الامر جليا من خلال دورها «الخجول» في الاجتماع «الخماسي». اما اذا كانت «الرسالة» في كلامها الى باريس فالامر يحمل الكثير من النفاق لان فرنسا تتحرك «بتغطية» اميركية. ولهذا فان الكلام الاميركي لا يحمل جديدا بل مجرد موقف للاستهلاك الاعلامي.
اين قطر؟
ووفقا لمصادر مطلعة، فان المشكلة الاساسية بتبني غياب ما يسمى الخيار الثاني في مواجهة الطرح الفرنسي، فقطر التي تحاول ايجاد توازن للتفاوض عليه اخفقت في جمع المعارضة على ترشيح قائد الجيش جوزاف عون، واذا كان الموفد القطري الوزير محمد بن عبد العزيز الخليفي الذي سيعود بعد عطلة عيد الفطر الى بيروت، قد حاول الايحاء بان التفاهم الايراني – السعودي ليس قدرا وبالامكان مواجهته بمشروع مضاد حتى الوصول الى تسوية، وانطلق من نظرية اسقاط المرشحين الاستفزازيين، سليمان فرنجية وميشال معوض، والحض على الذهاب الى الخيار الرئاسي الوسطي، الا انه اصطدم بموقف حاسم من قبل رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل بعدم امكان تبني ترشيح عون، مهما كان الثمن، وابلغه في الوقت نفسه عدم المغامرة بتبني ترشيح اي اسم «مستفز» لحزب الله. كما لمس عدم وجود مرشح يعتد به عند القوات اللبنانية يمكن الرهان عليه كحصان رابح على الرغم من عدم ممانعة «معراب» تبني ترشيح قائد الجيش حين تنضج الظروف. ولهذا فشلت الدوحة في ايجاد خيار بديل حتى الآن.