بالنسبة إلى البعض، رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو هو المسؤول عن الأزمة، إذ يتعمَّد التصعيد هرباً من مأزقه الشخصي والسياسي. ويعتقد آخرون أنّ المسألة تتعلق برفض فئات واسعة من المجتمع الإسرائيلي اتجاه اليمين المتطرّف إلى الهيمنة وتقويض الديموقراطية.
يقول هؤلاء: في المجتمعات المتعدّدة طائفياً أو عرقياً، غالباً ما تنحاز الصراعات السياسية عن منحاها الأساسي لتصبح صدامات طائفية أو عرقية. ولذلك، يُخشى أن ينقلب الصراع الجاري حالياً في داخل المجتمع الإسرائيلي إلى صراع طائفي- عرقي لا أحد يدفع ثمنه سوى الفلسطينيين، وتحديداً أولئك الذين تُطلَق عليهم تسمية «عرب 48».
فمشروع «تدجين» القضاء الذي تصرّ عليه هذه الحكومة، يُراد الانطلاق منه للسيطرة الكاملة على الحياة السياسية، والإمساك بالأجهزة العسكرية والأمنية بشكل وثيق، ما يُضيِّق هامش التحرّك على أحزاب الوسط واليسار. وبعد ذلك، سيكون سهلاً إطلاق أيدي المستوطنين، بدعم مباشر من قوى الأمن، للتوسع. وسيحظى اليمين المتطرف بتأييد هؤلاء المستوطنين، ما يشكّل خطراً على المواطنين العرب.
ويخشى بعض المحللين أن يكون هذا السيناريو هو المُنتظر في نهاية المخاض الجاري اليوم داخل إسرائيل. فـ«تكبير» حجم الصراع في الشارع سيقود إلى اشتعال شرارة المواجهة مع الفلسطينيين في نهاية المطاف، فتتحول من إسرائيلية- إسرائيلية إلى يهودية- عربية، خصوصاً إذا شكّلت قوى اليمين الإسرائيلي المتطرّف جماعات مسلّحة تتمتع بالتغطية.
ويكتسب هذا التحليل أهمية في ظلّ إمساك إيتامار بن غفير بوزارة الأمن، وهو الذي عُرف خلال مسيرته السياسية بتأييده طرد العرب تماماً من إسرائيل وإقامة الدولة اليهودية «الصافية». وإذ يحاول اليوم الإيحاء بإنّه تخلّى عن هذا الهدف، وأنّه بات يقبل ببقاء العرب الذين «يعترفون بدولة إسرائيل»، فعلى الأرجح هو يفعل ذلك للتمويه، وللتمكّن من تولّي المناصب الحساسة في الحكومة بحدّ أدنى من الانتقادات الدولية، ولإشاحة النظر عن المخطط الذي يرمي إلى تنفيذه عاجلاً أم آجلاً، ما يشكّل خطراً مؤكّداً على المواطنين العرب. ويعتقد بعض الخبراء أنّ نتنياهو نفسه بات واجهة لتنفيذ ما يريده بن غفير ورفاقه.
الهاجس الأول الذي يريد المتطرفون مواجهته في إسرائيل هو الخلل الديموغرافي المتنامي لمصلحة الفلسطينيين. فعشية رأس السنة 2022، أصدر مكتبا الإحصاء الفلسطيني والإسرائيلي تقارير إحصائية أظهرت أنّ عدد السكان في فلسطين التاريخية ناهز الـ 14.5 مليون نسمة: 7 ملايين فلسطيني و7 ملايين إسرائيلي يهودي، ونحو 400 ألف صنّفتهم إسرائيل «غير معرَّفين دينياً».
إلّا أنّ أرقام دائرة الإحصاء الإسرائيلية مختلفة. فهي قدّرت سكان إسرائيل بنحو 9.5 ملايين نسمة، بينهم أكثر من 7 ملايين يهودي (نحو 74%) وقرابة مليوني عربي (نحو21%). وبهذه الكثافة السكانية العربية، خصوصاً في المناطق الواقعة ما بين نهر الأردن وشاطئ المتوسط، يعتقد الإسرائيليون أنّ من المستحيل إقامة الدولة اليهودية «الصافية»، ويرون أنّ الأمر سيكون أكثر صعوبة، يوماً بعد يوم، بسبب تفوّق التزايد السكاني في البيئة العربية.
من هنا، يبدو حيوياً التأمّل في الصراع الذي اندلع فجأة في إسرائيل والتعمّق في خلفياته وتداعياته، لأنّ المخاطر تعني الفلسطينيين لا سواهم، وقد تكون مصيرية.
المصدر:”الجمهورية – طوني عيسى”
**