سحب مجلس الوزراء بإخراج مدروس فتيل فتنة حضرت من خارج جدول الأعمال، وفكّك صاعق عبوة الاحتقان الطائفي التي كانت موصولة بساعة تخلٍ.. لكن ما كشفه الخلاف حول التوقيت من حقد وكراهية وفرز وهواجس، هو أخطر من ان يعالجه قرار حكومي.
لدغت عقارب الساعة الجسم اللبناني الهش والفاقد للمناعة، فارتفعت حرارته الطائفية فوق المعدلات الموسمية، ولفظت جروحه غير المندملة ما اعتمل فيها من «قيح».
ولعلّ من آخر الأمثلة الصارخة على النزعة المتأصّلة لدى القوى الداخلية إلى عدم احترام الوقت، هو انّ نحو ثلاث سنوات ونصف سنة مرّت على الانهيار الكبير عام 2019، من دون أن يبدأ بعد لا تنفيذ خطة الإنقاذ المفترضة ولا إقرار الإصلاحات الضرورية، بل هناك إمعان في المماطلة المكلفة واستمرار في قضم الروزنامة بأعصاب باردة، ما أدّى إلى تعميق الهاوية وتوسيع قطرها.
لذلك كله، أتت تلك الغيرة المستجدة على الوقت من خارج السياق المألوف، في بلد يقع اصلاً على هامش الزمن بعدما تقهقر إلى العصر الحجري نتيجة تحّلل مؤسسات الدولة وفقدان خدمات أساسية وبديهية.
ولعلّ أخطر ما أفرزه النزاع «المطيّف» حول الساعة، يكمن في إجراء بروفة للتقسيم على أرض الواقع، حيث اعتمدت المناطق المسيحية التوقيت الصيفي في مقابل اعتماد المناطق الإسلامية التوقيت الشتوي، حتى لو كانت أمتار قليلة تفصل بين هذه وتلك، في واحدة من أكثر المظاهر الانفصالية حدّة ونفوراً، وذلك بالترافق مع ارتفاع في نبرة الاصوات الداعية إلى الانفكاك عن الدولة المركزية.
وإذا كان مجلس الوزراء قد أنزل الجميع عن الشجرة بالعودة إلى التوقيت الصيفي، غير انّ التحدّي الأكبر يبقى في استعادة الانتظام المؤسساتي عبر انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة أصيلة، تحت طائلة ان يظلّ البلد مكشوفاً ومعرّضاً لمزيد من الاختبارات الصعبة، خصوصاً انّ قدرة الرئيس نجيب ميقاتي على الاستمرار في تصريف الأعمال «شارفت على النفاد» كما صرّح.
ويشير المطلعون، إلى انّ ميقاتي كان في صدد ان ينفّذ تهديده بالتوقف عن تصريف الأعمال رداً على ما يعتبر انّها حملة طائفية غير مبرّرة ضدّه، لكنه عاد وأعطى فرصة اضافية لنفسه، وتجاوب مع الاتصالات التي أفضت إلى «هندسة» مخرج عبر عقد جلسة للحكومة، علماً انّ ميقاتي كان قد انزعج من تصرّف بعض الوزراء وتمرّدهم على قرار تأجيل سريان التوقيت الصيفي.