يتواصل الانهيار الاقتصادي والنقدي، بوتيرة يومية، على إيقاع الارتفاع الخيالي في سعر الدولار، وسط حالة من العجز الرسمي الفادح والفاضح.
وكما في كل زيارة للبنان، بدا الوفد هذه المرة كذلك مصدوماً حيال عدم تبدّل سلوك السلطة السياسية التي يشعر بأنّها تمعن في حرق الوقت والفرص وتستمر في مواصلة مناوراتها وألاعيبها على أطلال دولة منهارة.
وأكثر ما يستوقف موفدي الصندوق، وفق المتواصلين معهم، هو انّ الاقتصاد اللبناني صغير الحجم والناتج المحلي للبلد محدود، بينما الفجوة التي نتجت من الأزمة هي كبيرة، وارقامها تبدو كأنّها تعود إلى دول كبرى.
وكما فعل في زيارات سابقة، كان الوفد قاسياً خلال بعض لقاءاته الأخيرة في توصيف الواقع والتحذير من التداعيات التي ستترتب على عدم معالجته قبل فوات الأوان، مبدياً خشيته من فقدان السيطرة كلياً على الأمور قريباً ما لم يتمّ تدارك الانهيار بلا أي تأخير إضافي.
وخلال أحد الاجتماعات مع شخصيات اقتصادية، نبّه وفد الصندوق إلى انّ «اوضاعكم ليست سوداوية فقط بل مأساوية».
واعتبر الوفد، انّ على الجهات اللبنانية المعنية ان تكون واضحة، «وفي حال انّها لا تريد تنفيذ برنامج الإصلاحات المتفق عليه مع الصندوق، يجب ان تصارحنا بذلك».
وأضاف الوفد: «أنتم تنتظرون معجزة لن تأتي، وتظنون انّ طيراً عجيباً سيحمل لكم مليارات الدولارات. لعلكم لا تقرأون ما يحدث في العالم، ولو فعلتم لأدركتم انّه من الصعب ليس فقط ان تحصلوا على المليارات، بل حتى ملايين الدولارات لن تكون متيسرة بسهولة، وقد نحتاج إلى ان نصلي كي تصلكم، وسط الظروف الصعبة التي تواجه العالم».
ولفت الوفد إلى انّ الحرب الروسية – الاوكرانية، وانهيار بعض المصارف في الولايات المتحدة، وارتفاع اسعار الفوائد، والتباطؤ الاقتصادي في العالم، كلها عوامل ادّت إلى تراجع السيولة عالمياً.
وتابع الوفد: «انتم بحاجة إلى عشرات مليارات الدولارات، في حين انكم لا تفعلون شيئاً جدّياً لاستقطابها بل تحرقون ما تبقّى من ودائع، والخشية من ان يأتي الدور على الذهب أيضاً. ينبغي أن تعرفوا انّ قرشاً واحداً لن يصلكم بلا اتفاق نهائي مع صندوق النقد. لم يعد هناك مال يُرش عليكم كما كان يحصل قبلاً، ومطلوب منكم تطبيق اصلاحات عميقة لتأتيكم المساعدات».
واكّد الوفد حرصه على عدم التدخّل في الشؤون السياسية الداخلية، ولكنه اعتبر انّه لا يصح تحميل السياسيين لوحدهم المسؤولية عن الوضع الحالي، «إذ انّ الشعب خرج لتوه من الانتخابات النيابية وأعاد اختيار السياسيين أنفسهم، وبالتالي عليه ان يتحمّل تبعات خياراته».
وأبدى الوفد أسفه لكون هذا البلد الجميل سيفقد قريباً السيطرة على كل شيء اذا لم يتمّ البدء فوراً في تطبيق الإصلاحات المعروفة.
وختم: «نحن سيذهب كل منا إلى بلده ومكتبه ونعود في أيلول المقبل إذا بقيتم واقفين على اقدامكم، ولكن حتى ذلك الحين انتم من يجدر بكم تحمّل مسؤولياتكم حتى يصبح الإنقاذ ممكناً».
المصدر:”الجمهورية – عماد مرمل”
**