على الصعيد المصرفي وبعدما كانت الاجواء تميل الى التهدئة الاسبوع الماضي، بعد صدور قرار المدعي العام التمييزي غسان عويدات الذي شرح فيه حيثيات تطبيق قانون رفع السرية المصرفية، عاد التصعيد الى الواجهة امس، مع إعلان حمعية مصارف لبنان العودة الى الاضراب بدءاً من الثلاثاء المقبل. فما الذي جرى ودفع الامور الى مزيد من التعقيد؟ والى اين يمكن ان تصل هذه المواجهة التي اصبحت وكأنها بين الدولة والمصارف؟
في المعلومات، انّ المصارف تخوض المواجهة على اساس انّ مصيرها على المحك، وبات واضحاً انّ ما يجري في ظل الغياب المتعمّد للدولة، قد يؤدّي الى انهيار القطاع المصرفي بكامله. وهذا ما يفسّر ان تتجه المصارف الى الاضراب على رغم من علمها المُسبق بأنه يزيد النقمة الشعبية عليها، لكنّ اداراتها تعتبر ان لا بد من تَجَرُّع الكأس المُرّة، لأن البديل هو استمرار الوضع على ما هو عليه، والذي يعني ان المصارف سوف تبدأ في الافلاس، الواحد تلو الآخر. اذ كيف تستطيع المصارف ان تصمد اذا كان بعض القضاة يحكمون للمقترض بدفع قرضه الدولاري بواسطة شيك او بالليرة، ويحكمون في المقابل للمودع بالحصول على وديعته بالدولار النقدي؟
وفي السياق، قالت مصادر مصرفية لـ”الجمهورية” ان “المواجهة لم تعد تتعلق بمعالجة مشكلة معينة، بمقدار ما أصبحت تتعلق بمصير المصارف والمودعين ومستقبل الاقتصاد. وعلى الدولة ان تحسم امرها وتقرر ماذا تريد. اذا واصلت سياسة ادارة الظهر للأزمة، فهذا يعني انها تسعى عن قصد او اهمال الى تدمير القطاع المصرفي. اما اذا كانت لا تريد الوصول الى هذا الوضع، عليها ان تتحمّل مسؤولياتها وأن تبادر الى ايجاد حلول جذرية، ليس لمطالب محدّدة تطرحها المصارف، بل أيضاً للأزمة بشموليتها والتي تهدّد مصير الوطن ومستقبله ومستقبل اللبنانيين”.
حديث الافلاس
وكشف مصدر مالي رفيع لـ”الجمهورية” ان الحديث عن اعلان المصارف افلاسها بسبب فقدان السيولة “هو استخفاف بعقول الناس، فالافلاس لا يحصل هكذا بين ليلة وضحاها او بمجرد اعلان هو حتماً تمنيات المصارف للتنصّل من المسؤولية، فهذا الامر يحتاج الى وقت واجراءات تدريجية ومعقدة في مكان ما، وهذا الامر ليس مطروحاً حالياً”.
وعن تزامن ما يتردد حول الافلاس مع توقف منصة “صيرفة” والارتفاع الجديد في سعر الدولار، قال المصدر: “هذا سياق طبيعي للأزمة التي سنبقى فيها نعاني من مد وجزر، والجميع كان يعلم انّ إبر البنج او اجراءات الترقيع التي يتخذها مصرف لبنان المركزي لن تدوم طويلاً”.
إستفاقة الدولار
في موضوع الدولار، لاحظت اوساط مراقبة انّ الارتفاع المفاجئ في سعر الدولار جاء بعد ايام على اعلان مصرف لبنان بيع الدولارات على منصة “صيرفة” على سعر 70 الف ليرة للدولار. لكن ما لاحَظه المراقبون هو ان التداول اليومي على “صيرفة” كان شحيحاً، بما يؤكد انّ المصرف المركزي لم يكن يضخ الدولارات بغزارة كما فعل في المرة السابقة، عندما تجاوز مجموع التداول على “صيرفة” المليار دولار في غضون ايام.
هذا الشح في الضخ، بالاضافة الى حركة شراء الدولارات التي يمكن ان يكون مصرف لبنان قد قام بها في اليومين الاخيرين، يقفان على الارجح وراء الارتفاع في سعر الصرف. وهناك من يعتقد ان المصرف المركزي اشترى اكثر مما باع يوم امس، بما ساهم في هذا الارتفاع المفاجئ والسريع.
بالاضافة طبعاً الى عامل القلق بعد التصعيد الذي نشأ جرّاء تجدّد إضراب المصارف بدءاً من الثلاثاء المقبل. بما يعني ان الدولار قد يكون مقبلاً على مرحلة صعود اضافي سريع في الايام المقبلة، اذا لم تبادر الحكومة والجهات المعنية الى اتخاذ ما يلزم من اجراءات لحلحلة الأزمات المتعاقبة.