نزور بلدة الجاهلية الشوفية لنتوضأ ونصلي معا ونتبارك بوجه صاحب العمامة المكولسة العلامة ومرجعنا الروحي سماحة الشيخ ابوعلي سليمان ابوذياب صاحب العقيدة والمسلك.
في الجاهلية يقطن رحاب التقوى الجامعة للزمان والمكان. على هذه التلة الرائعة المطلة على لبنان وجبل الشيخ والسويداء وادلب والجولان وفلسطين ،نجلس معا على بساط التواضع في مجلس مرجعنا الروحي الشيخ ابوعلي العابق بشذا الحكمة والتوحيد، بساط الزهد والمحبة والأخوة التوحيدية، نستذكر التاريخ ونعيش الحاضر ونتطلع إلى الصبح القادم حتما من بعيد.
نزور الجاهلية لنتلمس طهر عباءة الخلف الصالح وعمامته البيضاء النقية، ولننعش الروح بطيب أنفاسه الروحانية، ولنعطر قلوبنا وعقولنا بسيرته العطرة، هذه القامة الدينية المحصنة بحسن الولاء وصحة الإيمان، و بحمى الواحد الجبار، والمناجي ربه في الليالي والأسحار، والمتأمل صبح مساء بأسرار الحكمة ومعاني الآيات والأسفار، وهو من النخبة من أهل العلم والعمل ، المنشغل بذكر الله عن أنفسه والعباد، التارك لمعان الفضة والذهب والمذاهب، وبريق الدنيا والمناصب والمكاسب، المتقي المرتقي، وأول خصاله صدق اللسان وحفظ الأخوان ،الهارب من جور الانانية إلى رحاب الحقيقة وعدالة الحق العارف بالله الذي لا مولى إلاه، والمدرك أن بالتوحيد تعرف الأشياء لا بسواه، وبه تتحقق الإنسانية ويبلغ المرء علاه.
في الجاهلية يجتمع أهل التوحيد والحق والمعروف والعرفان، يجتمعون على عقيدة توحيدية، وعلى فضائل ومكارم أخلاقية. في الجاهلية تتطهر النفوس وتصفو القلوب وتتجوهر العقول، كيف لا؟ والحكمة عندنا غاية الكتاب وغذاء أولي الألباب، بها تزال الضغائن والأحقاد، وبدرسها تفك القيود والأصفاد بالسير على هديها تنال الدرجات، وبالعيش في كنفها تحلو المسافرة إلى أبعد الغايات.
في الجاهلية كم من كتاب يقرأ! وكم من دور يجمع! وكم من سيرة تتلى! وكم من مريد وكم من مفيد.
في الجاهلية رجال مروا من هنا في طريقهم إلى الجنة، وما زلنا بسيرهم نتذاكر ونتغنى.
بهمة صاحب العمامة التوحيدية البيضاء الشيخ ابو علي توحدت الهمة، وبسر توحيده سلمت العشيرة،وهو الذي ما نطق إلا لطفا، وما نصح إلا عطفا.
لم يغلق الأبواب، ولم يرد من استجاب. ما سلم المشورة إلا للمستحق، وما وزن الأمور إلا بميزان الحق. فلا حجب الحكمة عن أهل الحكمة، ولا منع النعمة عن طالب النعمة، وما بخل بالحلم والمال، ولا تعامل إلا بالرزق والحلال، وهو الذي تميز بنقاء مسلكه وتقواه وبانقطاعه إلى عبادته تعالى والتعمق في توحيده، والإقبال على طاعته، والارتقاء بمسلكه العرفاني علما ومعرفة وحكمة، وهو من الثقات الموثوق بهم، في سكناته وحركاته، في كلامه وخواطره، في طرقه الظاهرة والباطنة والتي كثير ما يتبدى منها للعيان، والأكثر ما يستبطن لأصحاب البصيرة والنية الطيبة.
هو شيخنا الجليل الذي انكب على الكتاب العزيز حفظا ودرسا وفهما لمعانيه وعملا بأوامره ونواهيه، فقرن العلم بالعمل وتخصل بخصال جوهر التوحيد.
على تلك الأسس التوحيدية والسمات المسلكية تربى سماحة الشيخ ابو علي وأصبح مرجعا للناس في الامور الدينية وحكمه نافذ لثقة الناس به ولاستناده إلى الحق ، ولأن حياته نموذج حي لعيش الزهد والبساطة الروحانية التي تذكر بحياة أهل العرفان المتصوفين الأوائل كسلمان الفارسي وأبي ذر وعمار وسواهم ممن عرفوا بأهل “الصفة”. لذلك، فان سماحة الشيخ ابو علي يستوي على عرش القلوب، يطمئن لروحانية نهجه، يتميز بعلمه وقوة عقله وغزارة معرفته، وبورعه وزهده، ويبرز بشجاعته وإقدامه، ويتفوق بشوقه وخوفه ورجائه.
تلك الرسالة التوحيدية نحملها من الجاهلية وإليها، نتعلم ونعلم، نستفيد ونرجو أن نفيد، ولنا ملء الثقة بالمرجعيات الروحية لطائفة الموحدين الدروز المتحدرين من السلف الصالح أن يحافظوا على هذا الإرث التوحيدي الشريف، ولنا في مشايخنا الاجلاء الأمل بإبقاء مسلك التوحيد منارة علم وجهاد، وراجين من ابناء التوحيد الالتفاف حول شيوخهم الكبار،وداعين أنفسنا وإخواننا للثبات على نهج التوحيد والمعروف الذي عليه نشأنا، وبه نحن متمسكون، ولن نبدل تبديلا.
**