كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول: صار الشغل الشاغل للبنانيين، هو تلمّس ما يمكنهم من الإفلات من الكوابيس التي تقض مضاجعهم، وتُبعد النوم من عيونهم. الكابوس السياسي يضغط منذ سنوات، أطرافه من النوع الذي لا يرحم، ماضية بملء إرادتها وعمق تناقضاتها في حبس اللبنانيين كأكياس ملاكمة على حلبة انقساماتها وصراعاتها، وفي بناء الحوائط المسدودة أمام أي فرصة انفراج، والتأسيس لتفكّك الدولة وتداعي الهيكل اللبناني بصورة نهائية. والكابوس الاقتصادي والمالي، يكاد يعدم كل اسباب الحياة، وفرص إنعاشه وانتعاشه صارت معدومة، أثقاله المعيشية تتراكم على مدار الساعة، وأتلفت كل قدرة على التحمّل، وفلتانه الجهنمي يهوي أكثر نحو إذاقة اللبنانيين المزيد من المرارات. اما الطامة الكبرى فتتبدّى في الكابوس المرعب، الذي رمى اللبنانيين في مسلسل هزّات أرضية ضربت الكيان اللبناني، وخطفت الأنفاس وأرجفت الأبدان، وشلّت العقل والتفكير، وثبتّت في الأذهان صورة دمار شامل أشعرت اللبنانيين أنّ ساعتهم قد حانت، ويوم القيامة قد دنا.
بات المواطن أمام خطر وجودي حقيقي، وعالقاً في «مثلث الكوابيس»، او بالأصح «مثلث برمودا لبناني»، ولم يعد يعرف من أين تأتيه الضربة؟ ومتى سيبتلعه المجهول، ولا ممّا يصرخ، أمن السياسة الخرقاء وأنانياتها وإرادة التدمير الممنهج للحاضر والمستقبل؟ او من الجوع والفقر اللذين باتا معممين في دولة منكوبة وبائسة، لن يكون مستغرباً ابداً إن أُسقط عليها في القريب العاجل إسم «دولة الأمعاء الخاوية»؟ او من الفزع من غضب الطبيعة، وأرض تميد من تحتهم، وتلوّح لهم بالإقامة في جوفها؟
شلل وتعطيل
وإذا كان الكابوس الزلزالي يمثل خطراً وجودياً من صنع الطبيعة، ليس في إمكان احد أن يمنعه، او يتنبأ بزمانه ومكانه، او يخفف من وطأته، الّا انّ الخطر الوجودي الذي صنعه البشر في لبنان، متروك على احتقانه وتورّمه بإرادة شيطانيّة لا مثيل لخبثها، تأبى حتى الآن أن تبادر إلى اي محاولة لدرئه، ووقف مسار الأزمات المتعاقبة على مختلف الصعد، وانتشال البلد من مدار التعطيل الغارق فيه، سواء على مستوى الرئاسة الاولى، او على المستوى المجلس النيابي، او على مستوى الشلل الحكومي.
لا شيء في الأفق
ألف باء العلاج، وكما يتفق عليها القاصي والداني، تبدأ من مداواة أصل العلّة، وهي السياسة وتناقضاتها وانقساماتها وصراعاتها التي بنت أرضية الكابوس الاقتصادي والمالي، والخطوة الاولى تتجلّى في حسم الملف الرئاسي واستتباعه بحكومة عاجلة لمهمّة إنقاذ شاقة وطويلة الأمد. ولكن الواقع عكس ذلك تماماً، تتدحرج وقائعه نحو مزيد من استفحال المرض، حيث انّه على الرغم من تحذيرات مراجع مسؤولة عبر «الجمهورية» من «النتائج الشديدة الخطورة على مجمل الواقع اللبناني، التي ستتأتى حتماً من التعطيل الشامل للمؤسسات والسلطات في لبنان، الذي يشكّل أقصر الطرق إلى الكارثة، الّا انّ مقابلها تتبدّى حقيقة انّ التجاهل والتخلّي هما عنوان الواقع السياسي، وبالتالي ليس في أفق التناقضات سوى خيار التصعيد والإصرار على هذا المسار، ورفض التشارك في توفير هذا العلاج».
حلقة مفرغة
وعلى ما تقول مصادر معنية بالملف الرئاسي لـ»الجمهورية: «لا جديد رئاسياً على الإطلاق، سوى انّ الأطراف تحضّر للمعركة كل من موقعه وعلى طريقته، ولا يبدو انّ ثمة من هذه الأطراف من يرغب في التنازل لتسهيل انتخاب رئيس الجمهورية».
وكشفت المصادر، «انّ مشاورات داخلية تجري على مستويات مختلفة، سعياً لبلورة فكرة مخرج تسري في الهشيم السياسي او تحرّك المياه الراكدة في بحيرات التنافر والتعطيل، الّا انّ هذه المشاورات تدور في الحلقة المفرغة، وبمعنى أدق في نقطة الصفر؛ فالإرادات متصادمة، والنوايا ليست صافية، حتى لا نقول لا توجد رغبة جدّية في انتخاب رئيس للجمهورية».
المفاجأة ممكنة
الّا انّ مصدراً مسؤولاً أبلغ إلى «الجمهورية» قوله: «انّ الأفق الرئاسي، وكما يبدو انّه يخبىء سلبيات تبعاً لمواقف القوى الداخلية، فإنّه في الوقت نفسه قد يخبىء ايجابيات يمكن ان تفاجىء الجميع في أي لحظة، سواء من الداخل، او ربطاً بتطورات اقليمية بدأت تلفحها ليونة وتبريد على اكثر من جبهة، وآخرها جبهة اليمن.. وتبعاً لذلك أقول إنني لست متشائماً».
ولفت المصدر عينه إلى اشارات خارجية «ينبغي ان يتمعن فيها اللبنانيون ملياً، ليس فقط لناحية انّ الخارج لن يتدخّل في المسار الرئاسي، بل لناحية رفع سقف التحذير والتخويف من مصير مشؤوم سينتهي اليه الوضع في لبنان، إذا ما استمر الملف الرئاسي في دائرة التعطيل. والاميركيون كانوا الأكثر صراحة في تقدير ما قد يؤول اليه الوضع اللبناني، بتأكيدهم على انّ استمرار الوضع الراهن في لبنان، خارج مسار الإنقاذ الذي يوجب المسارعة إلى انتخاب رئيس للجمهورية، وتشكيل حكومة توفي بالتزاماتها الاصلاحية، سيؤدي بالتأكيد إلى واقع مرير تتعاقب فيه الأزمات، ما قد يضع لبنان امام خطر ان تتفكّك الدولة بالكامل».
كما لفت المصدر المسؤول إلى انّ «الاجتماع الخماسي اكّد الحاجة إلى توافق اللبنانيين على رئيس، ارتكازاً على معيار وحيد هو مصلحة لبنان. هذا ما تبلّغناه حرفياً من سفراء الاجتماع. وباريس رفعت من وتيرة حضورها في الملف الرئاسي اكثر من أي وقت مضى، للدفع إلى طي الملف الرئاسي بالتوافق على رئيس. ويتجلّى ذلك في التحرّك المكثف الذي بدأته السفيرة الفرنسية في الاتجاهات اللبنانية المختلفة، والمدفوع بخشية ومخاوف كبرى تعتري الإدارة الفرنسية من انزلاق الوضع في لبنان إلى صعوبات تعمّق من مأساة الشعب اللبناني».
وبحسب مصادر موثوقة لـ»الجمهورية»، فإنّ ما انتهت اليه الحركة الفرنسية الاخيرة على مستوى الداخل، يمكن تلخيصه بأنّ المخاوف والتحذيرات التي أُبديت، لم تقابلها الايجابيات المتوقعة، بل سارت بين التناقضات الداخلية، وقابلتها منصات تتقاذف مسؤولية التعطيل، ودعوات من هنا وهناك للضغط اكثرعلى المعطلين.
المعارضة: لا تراجع
إلى ذلك، أبلغت مصادر معارضة إلى «الجمهورية» قولها: «إنّ مسار الملف الرئاسي لن يوصل بأيّ شكل من الأشكال الى ما يطمح اليه «حزب الله» بانتخاب رئيس للجمهورية تحت وصايته ولعبة في يده، ومنخرط في جبهة أبعدت لبنان عن أسرته العربية وعن المجتمع الدولي».
ولفتت المصادر، إلى انّ «الهدف الأساس هو إيصال رئيس سيادي وتغييري إلى رئاسة الجمهورية (هذا ما تؤكّد عليه «القوات اللبنانية»)، ولا يمكن ان نتراجع عن هذا الامر. وهذا يوجب على القوى السيادية والتغييرية كافة أن تتوحّد خلف مرشح سيادي، يعبّر عن أمنيات الشعب اللبناني التي عبّر عنها في «ثورة تشرين». ومن هنا نجدّد الدعوة لكل أطياف المعارضة، إلى التوحّد بدل التشرذم، لقطع الطريق على أي رئيس يخدم «حزب الله» وأجنداته، ويشكّل استمراراً للعهد السابق وما جرّه من فساد، وما تسبب به من مآسٍ وويلات على لبنان واللبنانيين».
الثنائي: نعمل لمرشحنا
في المقابل، اكّدت مصادر ثنائي حركة «امل» و»حزب الله» لـ»الجمهورية»، انّ «مطلبنا الأساس كان وسيبقى الجلوس على الطاولة والتوافق على رئيس للجمهورية».
ولفتت المصادر، إلى انّ «على الطاولة تُطرح الامور للبحث والنقاش، وصولاً إلى الاتفاق على مرشح او مرشحين او اكثر، وننزل إلى المجلس النيابي ونُجري عملية الانتخاب، وليربح من يربح». وقالت: «انّه حتى ذلك الحين، وكما يحاول الآخرون البحث عن مرشح، ومعلوماتنا انّهم لم يجدوه بعد، فنحن من جهتنا نعمل لمرشح نؤيّده، ولم يعد خافياً انّه الوزير سليمان فرنجية».
ورداً على سؤال قالت المصادر: «نحن مع التوافق على انتخاب رئيس الجمهورية فوراً، ولكن حتى الآن الأفق مسدود، وفي النهاية سننتخب رئيساً. قبل انتخاب الرئيس ميشال عون دخلنا في فراغ لسنتين ونصف، فهل يمكن ان يتحمّل البلد فراغاً من هذا النوع، بالتأكيد لا. لذلك ومع تأكيدنا على انّ الكرة ليست في ملعبنا، ما زلنا نمدّ اليد إلى الجميع للتوافق على رئيس في اسرع وقت ممكن».
ورداً على سؤال آخر، لفتت المصادر إلى «انّ الرهان على العامل الخارجي هو رهان خاسر سلفاً، حيث انّ أقصى حدود ضغط الخارج، يقف عند حث اللبنانيين على انتخاب رئيس، وهذا ما تمّ التأكيد عليه على مختلف المستويات الخارجية، وآخرها الاجتماع الخماسي في باريس». وقالت: «الحل منشأه داخلي، والخارج يتفاعل معه ويماشيه، تبعاً لاعلاناته المتتالية ودعواته بالتعجيل بانتخاب الرئيس، وبالتالي دول الخارج تدرك استحالة قدرتها على فرض مرشّح على اللبنانيين، وتدرك ايضاً انّ إصرارها على هذا الفرض على قاعدة «كن فيكون»، يعني إدخال الواقع اللبناني بتوترات وارباكات، وهذا ما لا يخدم مصالحها».
وخلصت المصادر إلى القول: «الداخل يفرض مشيئته الرئاسية على الخارج وليس العكس، ومن هنا، فإنّه لو اجتمع المجتمع الدولي كله، واختار شخصاً لرئاسة الجمهورية، فلا توجد أي امكانية لتبنيه وانتخابه إن لم تكن لهذا الشخص الأرضية اللبنانية الجاهزة بكليّتها لتلقفه وانتخابه، وبالتالي من ينتظر الخارج سينتظر طويلاً وسيتعب حتماً».
ميقاتي
وفيما يعقد مجلس الوزراء جلسة عادية الاسبوع المقبل، لدراسة مجموعة من البنود الضرورية، أعرب رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي، عن أمله في «أنّ الخروج من المحنة الراهنة قريب لا محالة، وسيستعيد لبنان عافيته وحضوره الوازن على الخارطة السياسية العالمية».
وقال ميقاتي خلال إطلاق اللجنة المشتركة لتنفيذ إطار عمل الامم المتحدة في لبنان: «صحيح أنّ الإمكانات المحدودة المتوافرة لدى الدولة تحدّ من قدراتنا بشكل كبير على تأمين الكثير مما يحتاجه اللبنانيون، ولكن لا نتردّد عن بذل قصارى جهدنا لتخفيف تداعيات الأزمة عن كاهل اللبناني».
وطالب ميقاتي جميع القيادات والمسؤولين والمعنيين بوقف نهج التعطيل والاتهامات السياسية التي لا طائل منها ولا مكان لها في يوميات الناس الصابرة على أوجاعها. وتابع: «لتكن اشارة الانطلاق في توافق السادة النواب على انتخاب رئيس جديد للبنان، بما يضعه مجدداً على سكة التعافي والنهوض ويحرَك ورشة الاصلاحات المطلوبة».