لفتت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا “الاسكوا” أن “الزلزال المميت الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا في 6 شباط، أسفر عن خسائر فادحة لم يتبين كامل حجمها بعد. ففي سوريا وحدها، تضرر أكثر من 9 ملايين شخص بحسب تقديرات الأمم المتحدة، في حين تعدى عدد الوفيات 6 آلاف شخص والرقم في تزايد مستمر”. وحثَّت اللجنة في دراسة جديدة لها في هذا السياق، على “اتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة لتوحيد الجهود بهدف معالجة الأزمة الممتدة في البلاد”.
وقالت اللجنة في بيان: “يواجه السوريون الذين نجوا من الزلزال انخفاضًا شديدًا لدرجات الحرارة في ظل غياب الوقود للتدفئة، والمياه الصالحة للشرب والكهرباء، فضلاً عن تعرضهم لخطر انهيار المباني عليهم أثناء بحثهم عن مأوى. وأصبح الوضع الإنساني في شمالي غربي سوريا شديد السوء، حيث يعتمد 4.1 مليون شخص على المساعدات الإنسانية من أجل البقاء على قيد الحياة”.
إزاء هذا الواقع، أوضحت الأمينة التنفيذية لـ”الإسكوا” رولا دشتي أن “البلدان المتأثرة بالصراعات، كما هي حال سوريا، ليست لديها الجهوزية ولا القدرة على مواجهة الأزمات الناشئة والكوارث الطبيعية”. وأكّدت “ضرورة تخطي الانقسامات والاصطفاف خلف الشعب السوري في هذا الوقت العصيب والحرج”.
فستكون للزلزال تداعيات كارثية على أوضاع اقتصادية واجتماعية متردية أصلاً نتيجة للصراع المستمر منذ أكثر من عقد، ولتداعيات جائحة كوفيد-19 وفترات الجفاف خلال السنوات الماضية. وتعدت نسبة النازحين داخلياً وخارجياً الـ 56% من السوريين قبيل الزلزال، وهذه النسبة سترتفع مع زيادة الأشخاص المعرّضين للخطر والفقر والتشرّد بعد حدوثه.
وتابعت دشتي: “لا يسعنا أمام هول الكارثة إلا الوقوف وقفة تأمل وإجلال للضحايا والمصابين وأسرهم. ونقرأ في ما حدث تذكيراً صارخاً بأن إطالة أمد الصراع ستمعن في تعريض شرائح المجتمع السوري، كافة، لأشد أنواع المخاطر”. وحذّرت من أنه “مع مرور الوقت، ستصبح التحديات التي يواجهها السوريون أشد صعوبة ومعالجتها في أعقاب هذه المأساة المروّعة أكثر كلفة”.
منذ وقوع الكارثة، تزايدت أشكال التضامن في المجتمع السوري متخطية الانقسامات الجغرافيّة والسياسيّة. فلعبت التحويلات إلى سوريا دورًا مهمًا في إغاثة المتضررين، وكذلك الدعوات للدعم في إنقاذ الناجين، إلى جانب المساعدات الخارجية. غير أنه ينبغي العمل على إيصال المساعدات الإنسانية بشكل سريع ومتساوٍ إلى “سوريا بأكملها” وذلك ضمن نهج متكامل وبغض النظر عن المعضلات السياسية والعوائق أمام وصول هذه المساعدات.
واعتبرت دشتي أن “هذه المأساة تتطلب حلولًا مبتكرة وطويلة الأمد، قادرة على إحداث التغيير اللازم لتحقيق سلام مستدام من أجل مستقبل مزدهر لسوريا”. وأكّدت “ضرورة العمل بشكل جماعي لتعزيز صمود الشعب السوري بهدف تحسين سبل عيشه”.
وتطرح الدراسة، بحسب بيان اللجنة، “نهجًا شاملًا ومتسقاً وعادلاً لتقديم الإغاثة كخطوة أولى نحو بناء السلام وتحقيق التعافي في سوريا، وتقترح توصيات لفائدة جميع السوريين، منها:
تسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى جميع أنحاء البلاد، والاستجابة للتعهدات الأخيرة لتوسيع نطاق الإغاثة وتسريعها، وتحقيق التعافي على المدى الطويل، مع مراقبة التقدّم في تنفيذ هذه التعهدات بهدف تحقيق الانتعاش المبكر والفعّال الذي يؤدّي بالنهاية إلى الاستقرار والسلام.
معالجة العقبات التي تعترض تدفّق التحويلات بهدف خفض كلفة تحويل الأموال، وذلك بما يتماشى مع أهداف التنمية المستدامة، حيث من المتوقع أن تزداد التحويلات وأن تكون أساسية للتعافي من الزلزال.
التركيز على نهج شامل وتشاركي للإغاثة وإدماج النوع الاجتماعي في إدارة مخاطر الكوارث والتركيز على الفئات المعرضة للفقر والمخاطر بما فيها الأطفال وكبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة، الذين يتأثرون بالأزمات بشكل أكبر.
زيادة قدرة المجتمعات المحلية على الصمود من خلال إعطاء الأولوية لجهود تحقيق الاستقرار وضمان سبل عيش مستدامة للأفراد لتحقيق التعافي على المدى الطويل. وسيتطلب ذلك إعادة ترتيب وتركيز الموارد على المبادرات التي من شأنها دعم هذا الهدف، بالإضافة إلى زيادة حجمها”.
**